خَرَجَ وَلِيُّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَنْ صَلَّى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ تَوَرَّكَ- وَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَقَّبَ فِي مَجْلِسِهِ- قَالَ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، إِنَّ فُلَاناً الشَّامِيَّ قَدْ هَلَكَ، وَ هُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَلَّا، إِنَّ بِلَادَ الشَّامِ بِلَادُ صِرٍّ[1] وَ بِلَادَ الْحِجَازِ بِلَادُ حَرٍّ وَ لَحْمُهَا شَدِيدٌ، فَانْطَلِقْ فَلَا تَعْجَلَنَّ عَلَى صَاحِبِكَ حَتَّى آتِيَكُمْ، ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَخَذَ وَضُوءاً، ثُمَّ عَادَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَّ سَاجِداً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
ثُمَّ نَهَضَ فَانْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ الشَّامِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَسَنَّدَهُ، وَ دَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ فَسَقَاهُ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: امْلَئُوا جَوْفَهُ، وَ بَرِّدُوا صَدْرَهُ بِالطَّعَامِ الْبَارِدِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى عُوفِيَ الشَّامِيُّ، فَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ:
أَخْلِنِي، فَأَخْلَاهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَ بَابُهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، فَمَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِكَ خَابَ وَ خَسِرَ وَ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً.
قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): وَ مَا بَدَا لَكَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي عَهِدْتُ بِرُوحِي وَ عَايَنْتُ بِعَيْنِي، فَلَمْ يَتَفَاجَأْنِي إِلَّا وَ مُنَادٍ يُنَادِي، أَسْمَعُهُ بِأُذُنِي يُنَادِي وَ مَا أَنَا بِالنَّائِمِ:
رُدُّوا عَلَيْهِ رُوحَهُ، فَقَدْ سَأَلَنَا ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَ يُبْغِضُ الْعَبْدَ وَ يُحِبُّ عَمَلَهُ قَالَ: فَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ).
انتهت أخبار الأحمري.
924- 72- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنِّي لَأَلْقَى الرَّجُلَ لَمْ أَرَهُ وَ لَمْ يَرَنِي فِيمَا مَضَى قَبْلَ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَأُحِبُّهُ حُبّاً شَدِيداً، فَإِذَا كَلَّمْتُهُ وَجَدْتُهُ لِي عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ لَهُ،
[1] الصرّ: البرد الشديد.