عَنْهَا كَشْحاً، وَ قَدْ طَفِقْنَا عَنْهَا بُرْهَةً بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ[1] عَمْيَاءَ يُرْضَعُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَدِبُّ فِيهَا الْكَبِيرُ.
فَرَأَيْتُ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى[2]، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذَى، وَ فِي الْحَلْقِ شَجَا، بَيْنَ أَنْ أَرَى تُرَاثَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) نَهْباً. إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى عُمَرَ، فَيَا عَجَبَا! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ، إِذْ عَهِدَ بِهَا وَ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ! لَشَدَّ مَا شَاطَرَا ضَرْعَيْهَا، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا
وَ يَوْمَ حَيَّانَ أَخِي جَابِرٍ
فَعَقَدَهَا وَ اللَّهِ فِي نَاحِيَةٍ خَشْنَاءَ، يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا[3]، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ وَ الِاعْتِذَارُ فِيهَا، صَاحِبُهَا مِنْهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا[4] خَرِمَ، وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا عَسَفَتْ بِهِ، فَمُنَي النَّاسِ- لَعُمْرُ اللَّهِ- بِخِبَاطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاسٍ، إِلَى أَنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَجَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ، فَيَا لَلشُّورَى وَ لِلَّهِ! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِينَ فَأَنَا الْآنَ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ! وَ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ[5] مَعَ الْقَوْمِ حَيْثُ أَسَفُّوا، وَ طِرْتُ مَعَ الْقَوْمِ حَيْثُ طَارُوا، صَبْراً لِطُولِ الْمِحْنَةِ وَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَمَالَ رَجُلٌ لِضِغْنِهِ وَ أَصْغَى آخَرُ إِلَى صِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ[6]، إِلَى أَنْ قَامَ الثَّالِثُ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ[7] وَ مُعْتَلَفِهِ مِنْهَا، وَ أَسْرَعَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ فِي مَالِ اللَّهِ يَخْضِمُونَهُ خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ، حَتَّى انْتَكَثَتْ بِهِ بِطَانَتُهُ، وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ.
فَمَا رَاعَنِي مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَ هُمْ رُسُلٌ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَسْأَلُونِّي أَنْ أُبَايِعَهُمْ وَ آبِى
[1] الطّخية: الظلمة.
[2] أحجى: ألزم.
[3] الكلم: الجرح.
[4] أي كفّها بالزمام.
[5] أسفّ الطائر: دنا من الأرض.
[6] أي مع أغراض يكره ذكرها.
[7] النثيل: الروث.