وَ تَأْمُرُهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ الْحَظُّ، كَانَتِ الْحُجَّةُ تَزْدَادُ عَلَيْهِمْ قُوَّةً.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبِهِ: اكْتُبْ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَ مَنْ قِبَلِهِ مِنَ النَّاسِ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً آمَنُوا بِالتَّنْزِيلِ، وَ عَرَفُوا التَّأْوِيلَ، وَ فَقِهُوا فِي الدِّينِ، وَ بَيَّنَ اللَّهُ فَضْلَهُمْ فِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، وَ أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَبُوكَ وَ أَهْلُكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَعْدَاءُ الرَّسُولِ، مُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ، مُجْمِعُونَ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ لَقِيتُمْ مِنْهُمْ حَبَسْتُمُوهُ وَ عَذَّبْتُمُوهُ وَ قَتَلْتُمُوهُ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ (تَعَالَى) إِعْزَازَ دِينِهِ وَ إِظْهَارَ رَسُولِهِ، دَخَلَتِ الْعَرَبُ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً، وَ أَسْلَمَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً، وَ كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُنَازِعُوا أَهْلَ السَّبْقِ وَ مَنْ فَازَ بِالْفَضْلِ، فَإِنَّهُ مَنْ نَازَعَهُ مِنْكُمْ فَبِحُوبٍ وَ ظُلْمٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَنْ يَجْهَلَ قَدْرَهُ، وَ لَا يَعْدُو طَوْرَهُ، وَ لَا يُشْقِي نَفْسَهُ بِالْتِمَاسِ مَا لَيْسَ لَهُ.
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ قَدِيماً وَ حَدِيثاً أَقْرَبُهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ أَعْلَمُهُمْ بِالْكِتَابِ، وَ أَقْدَمُهُمْ فِي الدِّينِ، وَ أَفْضَلُهُمْ جِهَاداً، وَ أَوَّلُهُمْ إِيمَاناً، وَ أَشَدُّهُمْ اضْطِلَاعاً[1] بِمَا تَجْهَلُهُ الرَّعِيَّةُ مِنْ أَمْرِهَا. فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ لِتُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.
وَ اعْلَمُوا أَنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، وَ أَنَّ شَرَّهُمْ الْجُهَلَاءُ الَّذِينَ يُنَازِعُونَ بِالْجَهْلِ أَهْلَ الْعِلْمِ، أَلَا وَ إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ حَقْنِ دِمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ أَصَبْتُمْ رُشْدَكُمْ وَ هَدَيْتُمْ لَحْظَكُمْ، وَ إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْفُرْقَةَ وَ شَقَّ عَصَا هَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَزْدَادُوا مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْداً، وَ لَمْ يَزْدَدْ عَلَيْكُمْ إِلَّا سَخَطاً، وَ السَّلَامُ.
[1] اضطلع بالأمر: قوي عليه و نهض به.