فهل يا ترى يجدر بها وهي أم المؤمنين التي أمرها الله بأن تقرّ في بيتها : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) [ الأحزاب : ٣٣ ] أن تخرج من بيتها تدعو إلى التفريق بين أبنائها ، وتتذرع إلى بث بذور الفتنة بينهم بكلّ ما لديها من قوّة ، حتّى انخدع بها العدد الكبير من أبنائها ممن فتنتهم بخروجها ، فبعثت بهم إلى مركز جيشها المتألب ، وعند ذلك هجمت بهم وهي في طليعتهم على سياج دين الله الأقوم ، وسرادقه الأعظم ، وكهفه الحصين ، وصراطه المستقيم لتستطيح منه عمده الرفيعة ، وتستبيح من حرمته كلّ منيع ، وحينئذ فلا تسمع من أبنائها إلاّ أصواتا خافتة ، وأنفاسا هافتة ، وهي لا تبرح بين ذلك كلّه تدعو إلى تمزيقهم وتخريقهم ، فكأنها وهي زوجة ذلك المجاهد الأكبر والمنقذ الأعظم 6 الّذي صدع بدينه الحنيف ، وشرعه المنيف لكي يقيل به هذا العالم من كبوته ، وينتشله من هوّنه ، وينقذه من ضلالته ، ويعيده إلى الهدى والنور ، تريد أن ترجع بأبنائها القهقرى إلى عهد الجاهلية الأولى عهد الكفر والإلحاد والجحود والعناد ، ذلك العهد المظلم بغياهب الجهل الّذي لم تنجل غبرته بنور الإسلام إلاّ بعد أن تكبد صاحبه 6 في سبيل تأييده وتوطيد أركانه من النكبات ما يقصر الكلام عن تعريفه ، والقلم عن تعديده ، ولقد فات الآلوسي أن يتمثل بقول الشاعر العربي :
[١] يشير بذلك إلى ما أخرجه الحاكم في الصحيح من مستدركه على شرط الشيخين في ( ص : ١٢٠ ) من جزئه الثالث ، في باب فضائل عليّ 7 وابن عبد ربه في العقد الفريد ( ص : ١٠٥ ) من جزئه الثالث في واقعة الجمل ، عن النبيّ 6 أنه قال مخاطبا زوجاته : ( أيتكن صاحبة كلاب الحوأب ، ثم نظر إلى عائشة ، وقال : احذري أن تكوني أنت ).