تهافتاً في لحاظ
الجعل تارة بالحمل الأولي وتطبيق دليل الاستصحاب عليه لاثبات بقاء مجعوله ، واخرى
بالحمل الشائع لنفي الجعل الزائد.
والجواب : انّ المراد من الجعل بالحمل الشائع نفس الانشاء والايجاد
للمجعول ، فالمجعول الزائد إذ لوحظ بما هو خارجي ـ أي الحمل الأولي ـ فهو بقاء
للمجعول المتيقن ، وإذا لوحظ بما هو أمر انشائي لابد من ايجاده بالانشاء ، فأمره
دائر بين الأقل والأكثر ، أي يشك في حدوث انشائه وايجاده الاعتباري ، وقد ذكرنا
هناك انّ المجعول لا ينظر إليه بالنظر الثاني بل بالأوّل ، وهذا لا ينافي جريان
الاستصحاب في بقاء نفس المجعول بما هو أمر اعتباري كما في استصحاب عدم النسخ ،
فإنّه كاستصحاب عدم جعل حكم يشك في أصل جعله يكون المستصحب فيه المجعول الكلي
المنظور إليه بالحمل الأولي لا الشائع ، فإنّ الحدوث والبقاء يضافان إلى المجعول
الكلي بالحمل الأولي أيضاً كما يضافان إلى انشائه وايجاده الاعتباري ، فالمستصحب
بقاؤه في المقام وعدمه في موارد الشك في أصل الجعل إنّما هو الجعل الملحوظ بالحمل
الأولي أيضاً.
إلاّ أنّ الصحيح
ورود الاشكال الثاني من هذه الاشكالات الثلاثة ، بتقريب آخر ، حاصله : أنّ
الاعتبار وإن كان منجزاً كالارادة وروح الحكم ، إلاّ أنّ المنجز هو الاعتبار الذي
تكون ورائه ارادة لا محض اعتبار ، فإنّه ليس موضوعاً لحكم العقل والعقلاء بالتنجيز
، ومع احتمال النسخ بالمعنى المذكور وإن كان يحرز جعل الحكم على المكلفين في
الزمان الثاني من أوّل الأمر ، ويكون له حدوث وبقاء اعتباري عقلائياً ، ولكنه لا
يحرز انّ ورائه ارادة لاستحالة نسخ الارادة في حق الشارع ، فلا يكون اليقين السابق
بالجعل للزمن الثاني يقيناً بجعل منجز لكي يجري استصحاب بقائه عند احتمال نسخه.