خاض الإمام
عليه السلام في هذا المقطع من الخطبة في كيفية خلق الموجودات على أنّ اللَّه
سبحانه وتعالى خلقها من دون حاجة إلى التفكير، أو غريزة مستترة في الباطن، إلى
جانب الغنى عن تجارب الماضى وسالف الدهور، وبالتالي دون الحاجة إلى عضيد وشريك
«المنشى أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها،
ولا قريحة [1] غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من
حوادث
الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور».
فالواقع هو
أنّ أُسس علمنا ومعرفتنا بالحقائق إنّما تستند إلى أحد أربع: الفكر والتروي، أو
الالهام الباطني الذي يصطلح عليه بالغريزة، أوالتجربة التي يحصل عليها الإنسان من
[1] قريحة: كما أسلفنا سابقاً في الأصل، بمعنى
أول ماء يخرج من البئر عند ما يحفر، و كذلك يطلق على مايتفتق من أعمال فكر و ذوق
الانسان.
و يشمل ذلك
الغريرة التي هى بمعنى الطبيعة، و هو الشيء الذي يحصل عليه الانسان بمساعدة ذوقه
و طبعه.
و يصح هذا
المعنى أيضاً على غير الانسان، فمثلًا أكثر الطيور تقوم ببناء أعشاشها و تربية
فراخها و الهجرة الطويلة و بشكل جماعي و أمثال ذلك، كل هذا يتم بواسطة القريحة و
الغريزة.