ما مر معنا في هذا القسم من الخطبة هو إشارة إلى واقعة تأريخية مهمّة تتضح من
خلال مقارنة عصر العرب الجاهلية بعصر التطور والازدهار الذي أعقب بزوغ شمس
الإسلام، كيف كان عرب الجاهلية من حيث العقائد الدينية والقضايا المتعلقة بالمبدأ
والمعاد والنظام الاجتماعي ونظام الاسرة والأخلاق والتقوى والأوضاع الاقتصادية
وكيف أصبحت هذه الامور أبان انبثاق الدعوة الإسلامية ونزول القرآن الكريم. والحق أن
التفاوت بينهما إلى درجة من المدى والعمق بحيث لايمكن سوى نعته بالمعجزة
الكبرى وإلّا تعذر تصور ذلك التفاوت. فما صوره الإمام عليه السلام في هذه الخطبة
لم يكن سوى الظلام المطلق الذي القى بظلاله على جميع المجتمع، ولم يكد ينبثق
الإسلام حتى تبددت هذه الظلمة بفجر الإسلام ليأخذ بيد المجتمع إلى العلم والمعرفة
والثقافة والحضارة والمدنية. ولم تكن سوى إشارة قصيرة ولا يمكن الالمام بتفاصيلها
إلّابالرجوع إلى الكتب التي ألفت بشأن الحضارة الإسلامية. كما وردت بعض التفاصيل
في سائر خطبه عليه السلام في نهج البلاغة.
[1] «جنان» بمعنى القلب لأنه في صدر
الإنسان وقد اشتقت هذه المفردة من جن (على وزن فن) بمعنى الاستتار ومن هنا يطلق
جنّة على الحديقة الغناء والأرض المغطاة بالأشجار، ويطلق الجنين على الطفل
المستتر في بطن امّه كما تطلق مفردة الجن لأنّهم استجنوا فلا يروا والمجنون تطلق
على من ستر عقله.
[2] «خفقان» بمعنى الاضطراب، ويستعمل
للخوف والخشية لانها تدعو للاضطراب والمراد بها في العبارة خوف اللَّه.