في الأرضين السفلى أقدامهم والمارقة من السماء العيا أعناقهم والخارجة من
الأقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ناكسة [1] دونه أبصارهم متلفعون [2] تحته بأجنحتهم مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب
العزة وأستار القدرة» ثم يستغرق عليه السلام أكثر في التعرض لصفاتهم فيقول: «لا
يتوهمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ولا يحدونه بالاماكن ولا
يشيرون إليه بالنظائر» [3]. أجل فقدرتهم ليست قدرة جسمانية، بل يتمتعون بقدرة روحانية خارقة متعذرة على
الإنسان، ومن هنا أوكلت لهم مهمّة حمل العرش. والواقع أنّهم بلغوا أعظم مقامات
التوحيد بحيث أصبحوا قدوة في التوحيد لكافة عباد اللَّه ولا سيما أولياء اللَّه
البارزين من الناس. فهم لا يرون من مثيل وشبيه ونظير للَّه قط، كما لا يرون من
حدود لذاته وصفاته سبحانه، حتى أنّهم يرونه أعظم من الخيال والقياس والظن والوهم؛
وذلك لأنّ كل ما يتصوره الإنسان أو الملك إنّما هو مخلوق للَّهواللَّه أعظم من أن
يكون مخلوقاً. أمّا المراد بالعرش وحملة العرش وماهية وظائفهم والمفاهيم التي وردت
في هذه العبارات، فهذا ما سنتناوله في هذه الأبحاث.
تأمّلات
1- ماهية الملائكة!
هنالك عدّة أبحاث تضمنتها الآيات القرآنية بشأن الملائكة وصفاتهم وخصائصهم
وأفعالهم والمهام المختلفة الموكلة إليهم. كما شحنت الروايات الإسلامية بالأخبار
التي تتحدث عن الملائكة ومقاماتهم وصفاتهم وأعمالهم، غير انّه لم يرد البحث في
التحدث عن ماهيتهم، ومن هنا كثر الكلام بين العلماء والمتكلمين بهذا الشأن. فيرى
علماء الكلام، بل أغلب علماء الإسلام أنّ الملائكة موجودات ذات أجسام لطيفة.
[1] «ناكسة» من مادة «نكس» على وزن
عكس بمعنى الانقلاب رأساً على عقب ولذلك يطلق المنكوس على الوليد الذي يسقط على
رجليه.
[2] «متلفعون» من مادة «لفع» على وزن
نفع بمعنى الاشتمال على الشيء والالتفاف به، ومن هنا يقال للمرأة حين تلف عليها
عباءها «تلفعت المرأة».