فأجابهم القرآن في صدر الآية: «وَلَوْ
جَعَلْنَاهُ قُرآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْ لَافُصِّلَتْ آيَاتُهُ». (فُصّلت/ 44)
أي لأشكلتم اشكالًا آخر وهو: أنّ القرآن مبهم وغامض، ثم يضيف القرآن: «ءَاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌ» أي هل يصحّ لنبي عربي أن يأتي بقرآن أعجمي؟
ثم أمر اللَّه الرسول صلى الله عليه و آله بأن يجيبهم هكذا: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشَفَاءٌ
وَالَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ فِى آذَانِهِم وَقرٌ وَهوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولئِكَ
يُنادَونَ مِنْ مَّكَانٍ بَعِيدٍ».
وقد بيّنت الآية بوضوح أنّ اختلاق الحجج والعناد والإصرار على الكفر يجعل
حجاباً على القلوب يمنعها عن الإدراك والفهم [1].
بيّنت الآيات السابقة لهذه الآية من سورة يونس قصة نوح، حيث كان يدعو قومه
للَّه ويسعى لهدايتهم وانذارهم من عذاب اللَّه، إلّاأنّهم كذبوه، فاغرقهم اللَّه
بطوفانه وأهلكهم، وأنقذ المؤمنين منهم بالسفينة فورثوا الأرض.
ثم يضيف اللَّه في الآية: إنا أرسلنا- بعد نوح- رسلًا كلًا إلى قومه مع معاجز
وأدلة واضحة ومنطقية ورسائل يشهد محتواها على أحقيتهم، إلّاأنّهم لم يخضعوا للحق
واستمروا في تكذيبهم.
[1]. فسّر البعض عبارة: «وهو عليهم
عمىً» بأنّ القرآن سبب لعمى هذا الفريق، بينما قال ابن منظور في لسان العرب
والراغب في المفردات: إنّ جملة (عمى عليه) تعني اشتبه عليه حتى صار كالأعمى
(تأمل جيداً).