أنّه قاض، و من الواضح أنّ الفقيه بما له من منصب الافتاء ليس له استنباط
الأحكام عن أدلتها و استنباطها عن منابعها، فتدبّر جيدا فانه حقيق به.
فولاية الفقيه مطلقة في حريم أحكام الشرع، لا فيما خالف أحكامه، و لا يظن بأحد
القول باطلاقها في ما خالف الشريعة، لأنّه منصوب لإجرائها و تنفيذ أحكامها، و
أحكامها تدور على العناوين الأولية و الثانوية فحسب، و الأمر واضح بحمد اللّه.
المقام السادس: معضلة الولاية على التشريع
هل للفقيه ولاية على تشريع الأحكام الكلية أو الجزئية؟
أمّا الجزئية أعني الأحكام الإجرائية فلا إشكال فيه، و لكنّها كما عرفت من
قبيل تطبيق الكبريات على مصاديقها، و لا ينبغي أن يسمى تشريعا، و ذلك مثل انظمة
مرور السيارات فإنّها مقدمة لحفظ النفوس و الدماء و نظم البلاد.
و أمّا الكلية فالجواب عن هذا السؤال فيها و إن كان واضحا و لكن توضيحه أكثر
من هذا يحتاج إلى بيان مقدمة نورد فيها انظار علماء الإسلام و آرائهم حول التشريع
الإسلامى فنقول و منه نستمد الهداية:
أجمع علماء الإسلام على أنّه لا يجوز الاجتهاد في مقابل النص، فلو كان هناك نص
في حكم من الأحكام لم يجز إلّا قبوله، بل هذا مرادف لقبول النبوة و الاعتقاد بها،
و ما صدر من بعض الماضين مخالفا لهذا فانّما صدر غفلة و اشتباها و إلّا فالمسألة
واضحة.
و أمّا في ما لا نص فيه، فقد أخذ الجمهور فيها بالقياس و الاستحسان و الاجتهاد
بمعناه الخاص، و وضعوا فيها أحكاما بآرائهم، زعما منهم أنّ ما لا نص فيه لا حكم
فيه في الواقع، فلا مناص إلّا عن تشريع حكم فيها، إمّا بقياسها على غيرها من أحكام
الشرع، و إمّا بالبحث و الفحص عن المصالح و المفاسد، فما ظنوا فيها المصلحة
أوجبوه، و ما ظنوا فيه المفسدة حرّموه «و منع قليل منهم عن القياس و الاستحسان و
لكن هذا شاذ» كل ذلك يسمى عندهم اجتهادا بالمعنى الخاص.