المقام الرابع: الولاية على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر
لا شك أنّ وجوبهما في الجملة من ضروريات الدين، ورد التصريح به في الكتاب و
السنة المتواترة، و قد ذكر الأصحاب أنّ له مراتب ثلاث: «بالقلب» و «باللسان» و
«باليد» و قد صرّح بعضهم بأنّ وجوب انكار الأوّل مطلق غير مشروط بشيء، و معناه
أنّ وجوب الآخرين مشروط بالشروط الاربعة التي ذكروها، و هو العلم بالمنكر و
المعروف، و احتمال التأثير، و كون الفاعل مصرا على الاستمرار و الأمن من الضرر.
و كل ذلك موكول إلى محله، إنّما الكلام في أنّ الإنكار باليد أيضا له مراتب:
1- العمل بالمعروف و ترك المنكر بحيث يكون سببا لدعوة غيره إلى ذلك.
2- الضرب من دون جرح.
3- الضرب مع الجرح إذا لم يكن الضرر مقصودا، شبه المدافعة و الممانعة التي قد
يتولد منهما الضرر.
4- الضرب مع الجرح و إن كان الضرر مقصودا.
5- الإنكار باليد و لو بالقتل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام فيها «تارة» يكون في أصل وجوب هذه المراتب، و
«اخرى» في ترتبها، و وجوب الاقتصار على الأيسر فالأيسر.
و «ثالثة» على اشتراط إذن الإمام عليه السّلام في المراتب الأربعة الأخيرة،
دون المرتبة الاولى أي العمل بأحكام اللّه فانّه فرض على الجميع مطلقا من دون حاجة
إلى الاستيذان، و لنعم ما قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذا المقام حيث قال:
«من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر و أعلاها و اتقنها و أشدها تأثيرا خصوصا بالنسبة إلى رءوساء الدين
أن يلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه، و ينزع رداء المنكر محرمه و مكروهه، و
يستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، و ينزهها عن الأخلاق الذميمة، فانّ ذلك منه سبب تام
الفعل الناس المعروف و نزعهم المنكر خصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة و
المرهبة، فانّ لكل مقام مقالا و لكل داء دواء، و طب النفوس و العقول أشد من طب
الأبدان بمراتب كثيرة، و حينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر