فهذا أيضا من مناصب الفقيه و وظائفه الواجبة عليه كفاية، و قد يكون واجبا
عينيا، و لا بأس بأن نشير إلى دليله إجمالا و إن كان الكلام فيه مستوفي موكول إلى
محله من كتاب القضاء.
فنقول أنّه ثابت له عقلا و نقلا.
أمّا العقل: فلأنّ وقوع المنازعة و الخصومة في الجوامع البشرية ممّا لا يمكن
التجنب عنه ما لم تصل إلى مستوى عال من الإيمان و التقوى و الثقافة العالية
الدينية و لا بدّ حينئذ من طريق إلى فصلها، كي لا يتسع نطاقها و يذهب بالنظام كلها
و يقع الهرج و المرج و إراقة الدماء و غيرها، فيجب التصدي لفصل الخصومات و الحكم
بين الناس لجماعة من العلماء وجوبا كفائيا، و أحق الناس به و أولاهم بل القدر
المتيقن من بينهم هو الفقيه الجامع للشرائط، العالم بأحكام الإسلام، و شرائط
القضاء و الحقوق الواجبة لكل أحد كما لا يخفى، فانّه الذي يرجى منه تحقيق هذا
الأمر المهم لا غيره.
و أمّا النقل: فالمعروف بين الأصحاب بل حكي الإجماع عليه عدم جواز التصدي
للحكم لغير المجتهد الجامع لشرائط الافتاء و إن كان عالما بالأحكام و الحقوق و
الحدود و أحكام القضاء و شرائطه من طريق التقليد، و هذا يكشف عن وجود نص وصل إليهم
و لكن خالف فيه شاذ من الفقهاء الأعلام (رضوان اللّه عليهم) منهم صاحب الجواهر و
قد يستظهر من اطلاق الآيات الواردة في هذا الشأن مثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ
إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ و غيرها من أشباهها، اللّهم إلّا أن يقال إنّها ليست في
مقام البيان من هذه الجهة.
و بالنصوص الدالة على أن القضاء أربعة: منهم رجل قضى بالحق و هو يعلم و هو في
الجنة [1] و ما
أشبهها، فالمدار على الحكم بالحق سواء كان من ناحية التقليد أو الاجتهاد.
و بالسيرة من عصره صلّى اللّه عليه و آله إلى ما بعده فلم يكن جميع القضاة المنصوبين
من قبلهم عليهم السّلام
[1]. وسائل الشيعة، ج 18، الباب 4 من
أبواب صفات القاضي، ح 6.