مأكولا في بلد دون بلد، أو ملبوسا كذلك، و كذا في ما ليس كذلك بالفعل و لكن
يكون مأكولا أو ملبوسا بالقوة، إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة التي أوردوها في
الكتب، و لا يقدر العامي على استنباط أحكامها، فعلى الفقيه ملاحظة حال هذه الفروع
و صدق هذين العنوانين عليها و عدمه، فان غالب العوام غير قادرين على الدقة في هذه
الامور، و لكن الفقيه لمزاولته هذه الفروع و أمثالها قادر على استجلاء حقيقة هذه
الامور من أعماق أذهان أهل العرف و ردّها إليهم، و لا عجب في ذلك، فتدبّر جيدا.
و كذلك لا شك أنّ مسافة القصر ثمانية فراسخ كما دلت عليه النصوص، و لكن في
صدقها على الثمانية الدورية أو المرتفع في الجو أو في أعماق الأرض غموضا يتصدى
لرفعه الفقيه.
و كذا يظهر من بعض الروايات كفاية المحاذاة للمواقيت و قد أفتى به الأصحاب، و
لكن وقع الكلام في أنّ المواقيت الخمسة (مسجد الشجرة و الجحفة و قرن المنازل و
يلملم و العقيق) محيطة بالحرم بحيث ينتهى كل طريق إلى أحدها، أو ما يحاذيها، أو لا
تكون كذلك، حتى يقع الكلام في حكم مثل هذا الشخص و أنّه هل يجب عليه الاحرام من
أدنى الحل أو غيرها؟ فهذه و إن كان من الموضوعات الخارجية و لكن إدراكها لأكثر
العوام مشكل، فعلى الفقيه بذل الجهد فيها و لو بالرجوع إلى أهل الخبرة ثم الفتوى
بما تقتضيه الأدلة بعد احراز الموضوع، إلى غير ذلك ممّا هو كثير.
بقي هنا شيء:
و هو أنّه هل الافتاء للفقيه من المناصب أو من الأحكام؟ كلام شيخنا الأعظم
قدّس سرّه صريح أنّه من المناصب كالقضاء و الولاية، و لازمه أن يكون موكولا إلى
نصب ولي الأمر و لكن لا دليل عليه بل ظاهر الآيات مثل آية الذكر و غيرها و
الروايات الكثيرة مثل قوله «فللعوام أن يقلدوه» و غيرها كونه حكما، فالجاهل في
جميع الحرف و الصنائع و العلوم يرجع إلى العلماء فيها من دون حاجة إلى نصبهم لهذا
المنصب من طريق الحكومة، و كذلك في أحكام الدين.