و ثالثة: يكون مع علم القابض و جهل الدافع بالفساد فالواجب عليه حينئذ أن لا
يأخذ من أول الأمر، و لو أخذه فعل حراما و عليه ردّه إلى صاحبه، و لا يكفي هنا
مجرّد الإعلام و تخلية اليد، لأنه السبب في خروج المال عن يد مالكه بعد كونه عالما
و المالك جاهلا، فعليه أن يرده إلى صاحبه، بل مؤنة الردّ عليه أيضا، سواء كان
كثيرا أو قليلا و لا تشمله أدلة نفي الضرر، للأقدام.
المسألة الثالثة: حكم المنافع المستوفاة و غير المستوفاة
من أحكام العقد الفاسد «ضمان المنافع المستوفاة» كما هو المحكي عن المشهور، و
المراد به المنافع التي استوفاها المشتري من البيع و البائع من الثمن، سواء كان من
قبيل سكنى الدار و ركوب الحيوان، أو من قبيل اللبن و النتاج و ثمرة الشجرة.
و لكن أختار «ابن حمزة» في «الوسيلة» عدم الضمان، و إليك نص عبارته: قال في ما
حكي عنه في حكم البيع الفاسد:
«فإذا باع أحد بيعا فاسدا و انتفع به
المبتاع و لم يعلما بفساده ثم عرفا و استرد البائع المبيع لم يكن له استرداد ثمن
ما انتقع به، أو استرداد الولد إن حملت الام عنده و ولدت، لأنّه لو تلف لكان من
ماله و الخراج بالضمان» (انتهى).
هذا و مقتضى قاعدة احترام الأموال التي مرّت الإشارة إليها غير مرّة و عرفت
مبانيها في الشرع و بين العقلاء، و هو الضمان، لأن المفروض فساد البيع، و عدم نقل
العوضين عن ملك صاحبهما، فبقيت المنافع على ملك صاحبها و لم يجز استيفاؤها و لو
استوفاها كان عليه عوضها، و قد عرفت أنّ حديث «على اليد» و «لا يحل» و «لا يجوز» و
أشباهها كلها إمضاء لهذه القاعدة.
نعم، يمكن استثناء صورة واحدة و هي ما إذا علم المالك بالفساد و مع ذلك رضي
بالقبض و الإقباض، و قد عرفت أنّ هذا دليل رضاه بالبيع الصورى العرفي، و إن لم يكن
شرعيا، إمّا تشريعا أو تركا لحكم الشرع لعدم المبالاة في الدين، و لكن مقتضاه
الرضى