و أمّا التمسك بالسيرة في مثل مكاتبة التجار و الحال أنّ الكتاب قد يصل إلى
الطرف الآخر و الكاتب نائم، ممنوع بالفرق بين الإنشاء بالكتابة و الإنشاء اللفظي،
و كفى في الفرق بينهما التعارف في أحدهما دون الآخر، و قد مرّ مرارا خروج ما لم
يتعارف من العقود بين العقلاء عن العمومات و الاطلاقات.
المقام العاشر: اختلاف المتعاقدين اجتهادا أو تقليدا
و هنا مسألة اخرى لها صلة بما مرّ من اختلاف المتعاقدين من شروط العقد، و هي
أنّه قد يكون كلاهما واجدين للشرائط المعتبرة في المتعاقدين، كل واحد بحسب اجتهاد
أو تقليده و لكنه لا يتوافق بحسب اجتهاد الآخر أو تقليده بالنسبة إلى شروط العقد
أو العوضين أو الشروط، و الأمثلة هنا كثيرة، فمن جهة شروط المتعاقدين مثلا قد يكون
البائع بالغا في نظره و بحسب تكليفه، و ليس بالغا في نظر المشتري لاختلافهما في
السنّ المعتبر في البلوغ اجتهادا و تقليدا.
و قد يكون الاختلاف من جهة شرائط العقد، فقد يصحح البالغ مثلا العقد بالفارسية
و لا يصححه المشتري.
أو من جهة العوضين، فقد يكون شيء موزونا في نظر البائع مثلا دون المشتري، أو
من جهة الشروط، فقد لا يرى البائع الشرط الفلاني مخالفا لمقتضى العقد و يراه
المشتري كذلك، و هكذا أشباهه، و هذه مسألة سيالة لا تختص بباب العقود و المعاملات
بل تجري في العبادات و الشهادات و القضاء و غيرها، مثلا قد يختلف رأي الإمام و
المأموم في مسائل الصلاة أو شرائط الجماعة، فتكون صلاة الإمام غير صحيحة بنظر
المأموم، كمن صلى في اللباس المشكوك أو صلّى بغير أذان و لا إقامة أو اكتفى في
التسبيحات بمرّة واحدة، بينما لا يرى المأموم صحة هذه الصلاة بحسب فتواه أو فتوى
مقلّده.
و أمثلته كثيرة كذلك في أبواب الشهادة و شرائطها و كيفية أدائها، و في باب
الوقف و شرائط تملك الأشياء بعد ما أراد وقف هذا الملك، أو هبته أو وصيته لغيره، و
كذا في أبواب الطهارات، فقد لا يرى شخص نجاسة أهل الكتاب و لا يجتنب عنهم و يعاشر
غيره