نتأخر عنه أم هو الرأي و الحرب و المكيدة؟ فقال: «بل هو الرأي و الحرب و
المكيدة» فقال: يا رسول اللّه ليس هذا بمنزل، فانهض بالناس حتّى نأتي أدنى ماء من
القوم فننزله ثمّ نغور ما وراءه إلى آخر ما قال ... فقال له النبي صلى اللّه عليه
و آله و سلّم: «لقد أشرت بالرأي» و عمل برأيه [1].
أهمية المشاورة في نظر الإسلام:
لقد حظيت مسألة المشاورة بأهمية خاصة في نظر الإسلام، فالنبي صلى اللّه عليه و
آله و سلّم رغم أنه كان يملك- بغض النظر عن الوحي الإلهي- قدرة فكرية كبيرة تؤهله
لتسيير الأمور و تصريفها دون حاجة إلى مشاورة أحد، إلّا أنه صلى اللّه عليه و آله
و سلّم كيما يشعر المسلمين بأهمية المشاورة و فوائدها حتّى يتخذوها ركنا أساسيا في
برامجهم و حتّى ينمي فيهم قواهم العقلية و الفكرية نجده يشاور أصحابه في أمور
المسلمين العامة التي تتعلق بتنفيذ القوانين و الأحكام الإلهية (لا أصل الأحكام و
التشريعات التي مدارها الوحي) و يقيم لآراء مشيريه أهمية خاصة و يعطيها قيمتها
اللائقة بها، حتّى أنه كان- أحيانا- ينصرف عن الأخذ برأي نفسه احتراما لهم و
لآرائهم كما فعل ذلك في «أحد»، و يمكن القول بأن هذا الأمر بالذات كان أحد العوامل
المؤثرة وراء نجاح الرسول الأكرم في تحقيق أهدافه الإسلامية العليا.
و الحقّ أن أية أمة أقامت إدارة شؤونها على أساس من الشورى و المشاورة، قل
خطأها، و ندر عثارها، على العكس من الأفراد الذين يعانون من استبداد الرأي، و يرون
أنفسهم في غنى عن نصح الناصحين و رأي الآخرين فإنهم إلى العثار أقرب، و من الصواب
و الرشد أبعد، مهما تمتعوا بسديد الرأي، و قوي التفكير، هذا مضافا إلى أن
الاستبداد في الرأي يقضي على الشخصية في الجمهور،