يقول سبحانه: في الآية الأولى من هذه الآيات: وَ كَأَيِّنْ[1] مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ[2] كَثِيرٌ فَما
وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فأنصار الأنبياء إذا واجهوا المصاعب و الجراحات و الشدائد في قتالهم الأعداء
لم يشعروا بالضعف و الهوان أبدا، و لم يخضعوا للعدو أو يستسلموا له، و من البديهي
أن اللّه تعالى يحب مثل هؤلاء الأشخاص الذين يثبتون و يصبرون في القتال وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ.
فهؤلاء عند ما كانوا يواجهون المشاكل بسبب بعض الأخطاء أو العثرات و عدم
الانضباط لم يفكروا في الاستسلام للأمر الواقع، أو يحدثوا أنفسهم بالفرار أو
الارتداد عن الدين و العقيدة بل كانوا يتضرعون إلى اللّه يطلبون منه الصبر و
الثبات، و العون و المدد و يقولون رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا* وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ
انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
إنهم بمثل هذا التفكر الصحيح و العمل الصالح كانوا يحصلون على ثوابهم دون
تأخير، و هو ثواب مزدوج، أما في الدنيا فالنصر و الفتح، و أما في الآخرة فما أعد
اللّه للمؤمنين المجاهدين الصادقين: فَآتاهُمُ
اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ.
ثمّ إنه سبحانه يعد هؤلاء- في نهاية هذه الآية- من المحسنين إذ يقول:
وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
و بهذا النحو يبين القرآن درسا حيا للمسلمين الحديثي العهد بالإسلام، من
[1]- «كأيّن» أي ما أكثر، و يقال أنها
اسم مركب- أصلا- من كاف التشبيه و أي الاستفهامية فظهرتا في صورة الكلمة الواحدة
التي فقد عندها معنيا الجزئين، و اكتسبت معنى جديدا هو «ما أكثر».
[2]- «ربيون» جمع «ربى» وزان «على»
يطلق على من اشتد ارتباطه باللّه عزّ و جلّ، و يكون مؤمنا عالما، صامدا مخلصا.