و على هذا تكون خلاصة المفهوم من هذه الآية هي: إن على اليهود أن يعيدوا النظر
في برنامج حياتهم، و يعودوا إلى اللّه، و يمسحوا عن أدمغتهم كلّ الأفكار
الشيطانية، و كلّ النوايا الشريرة، و يطرحوا النفاق و البغضاء للمسلمين جانبا، أو
أن يستمروا في حياتهم النكدة المزيجة بالنفاق، مستعينين بهذا أو ذاك. فأما الإيمان
باللّه و الدخول تحت مظلته و في حصنه الحصين، و أما الاعتماد على معونة الناس
الواهية. و الاستمرار في الحياة التعسة.
اليهود و المسكنة الدائمة:
لقد كان أمام اليهود طريقان: إما أن يعودوا إلى منهج اللّه، و إما أن يبقوا
على سلوكهم فيعيشوا أذلاء ما داموا، و لكنهم اختاروا الثاني و لهذا لزمتهم الذلة وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الْمَسْكَنَةُ.
و لفظة «باءوا» تعني في الأصل المراجعة و اتخاذ السكنى، و قد استخدمت هنا
للكناية عن الاستحقاق فيكون المعنى: أن اليهود بسبب إقامتهم على المعاصي استحقوا
الجزاء الإلهي، و اختاروا غضب اللّه كما يختار الإنسان مسكنا و منزلا للإقامة.
و أمّا لفظة «مسكنة» فتعني الذلة و الانقطاع الشديد الذي لا تكون معه حيلة
أبدا، و هي مأخوذة من السكون أصلا، لأن المساكين لشدة ما بهم من الفقر و الضعف لا
يقدرون على أية حركة، بل هم سكون و جمود.
ثمّ إنه لا بدّ من الالتفات إلى أن المسكين لا يعني المحتاج و المعدم من
الناحية المالية خاصّة، بل يشمل هذا الوصف كلّ من عدم الحيلة و القدرة على جميع
الأصعدة، فيدخل فيه كلّ ضعف و عجز و افتقار شديد.