ثمّ إنه يستفاد من هذه الآية أن هذا القانون- مثل بقية القوانين الإسلامية- لا
يختصّ بالمسلمين، فعلى الجميع أن يقوموا بفريضة الحجّ مسلمين و غير مسلمين، و تؤيد
ذلك القاعدة المعروفة: «الكفّار مكلفون بالفروع كما أنهم مكلفون بالأصول». و إن
كانت صحّة هذه المناسك و أمثالها من العبادات مشروطة بقبولهم للإسلام و اعتناقهم
إياه، ثمّ أدائها بعد ذلك، و لكن لا بدّ أن يعلم بأن عدم قبولهم للإسلام لا يسقط
عنهم التكليف، و لا يحررهم من هذه المسؤولية.
و ما قلناه في هذه الآية في هذا المجال جار في أمثالها أيضا.
هذا و قد بحثنا باسهاب حول أهمية الحجّ و فلسفته و آثاره الفردية و الاجتماعية
عند الحديث عن الآيات 196 إلى 203 من سورة البقرة.
أهمية الحجّ
و للتأكيد على أهمية الحجّ قال سبحانه في ذيل الآية الحاضرة وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعالَمِينَ أي أن الذين يتجاهلون هذا النداء، و يتنكرون
لهذه الفريضة، و يخالفونها لا يضرون بذلك إلّا أنفسهم لأن اللّه غني عن العالمين،
فلا يصيبه شيء بسبب اعراضهم و نكرانهم و تركهم لهذه الفريضة.
إن لفظة «كفر» تعني في الأصل الستر و الإخفاء و أما في المصطلح الديني فتعطي
معنى أوسع، فهي تعني كلّ مخالفة للحقّ و كل جحد و عصيان سواء في الأصول و
الإعتقاد، أو في الفروع و العمل، فلا تدلّ كثرة استعمالها في الجحود الاعتقادي على
انحصار معناه في ذلك، و لهذا استعملت في «ترك الحجّ».
و لذلك فسّر الكفر في هذه الآية عن الإمام الصادق عليه السّلام بترك الحجّ [1].
و بعبارة اخرى أن للكفر و الابتعاد عن الحق- تماما مثل الإيمان و التقرب إلى
[1]- التهذيب بناء على نقل تفسير
الصافي في ذيل هذه الآية.