قول لا يقوم عليه دليل، بل أنّ ظاهر الآيات يدلّ على أنّهم كانوا يتصرفون
بعالم التكوين و يقومون بتلك الأفعال.
و لكن لكي لا يتصوّر أحد أنّ الأنبياء و الأولياء كان لهم استقلال في العمل، و
أنّهم أقاموا جهازا للخلق في مقابل جهاز خلق اللّه، و كذلك لكي لا يكون هناك أيّ
احتمال للشرك و للعبادة المزدوجة، تكرّر قول «بإذن اللّه»، (تكرّر في هذه الآية
مرّتين، و في الآية 110 من سورة المائدة أربع مرّات).
و ما الولاية التكوينيّة إلّا القول بأنّ الأنبياء و الأئمّة يستطيعون- إذا
لزم الأمر- أن يتصرّفوا في عالم الخلق بإذن اللّه. و هذا مقام أرفع من مقام
الولاية التشريعية، أي إدارة الناس و حكمهم و نشر قوانين الشريعة بينهم و دعوتهم
إلى اللّه و هدايتهم إلى الصراط المستقيم.
و بذلك يتضح جواب الذين ينكرون ولاية أهل اللّه التكوينية يعتبرونها ضربا من
الشرك. فما من أحد يقول بأنّ للأنبياء و الأئمّة جهازا للخلق مستقلا في قبال
اللّه. إنّما هم يفعلون ما يفعلون بإذن اللّه و بأمر منه. غير أنّ منكري الولاية
التكوينية يقولون إنّ مهمّة الأنبياء تنحصر في الدعوة إلى اللّه و إبلاغ رسالته و
أحكامه، و قد يتوسّلون أحيانا بالدعاء إلى اللّه في بعض الأمور التكوينية، و أنّ
هذا هو كلّ ما يقدرون عليه، مع أنّ هذه الآية و الآيات الأخرى تفيد غير ذلك.
كما يستنتج من هذه الآية أنّ كثيرا من معجزاتهم- على الأقل- قد فعلوها
بأنفسهم، و إن كان ذلك بإذن اللّه و بعون من القدرة الإلهية. في الواقع يمكن القول
بأنّ المعجزة من عمل الأنبياء- لأنّهم هم الذين يقومون بها- كما هي من عمل اللّه
لأنّها تتمّ بإذنه و بالاستعانة بقدرته.
3- الجدير بالالتفات هنا إن تكرار القول «بإذن اللّه» و الاعتماد على مشيئته
في هذه الآية من أجل أن لا يبقى عذر لمدعي الوهية المسيح، و لكيلا يعتبره الناس
ربّا، أما عدم تكرارها في الأخبار بالغيب لوضوح الأمر.