من نقطة القطب الحقيقة، و عليه فالاختلاف موجود في كلّ الحالات.
و قد يكون للآية معنى آخر بالإضافة إلى ما ذكر، و هو أنّ الليل و النهار لا
يحدثان فجأة في الكرة الأرضية بسبب وجود طبقات «الجو» حولها. فالنهار يبدأ
بالتدريج من الفجر و ينتشر، و يبدأ الليل من حمرة الأفق الغربي و الغسق، ثمّ ينتشر
الظلام حتّى يعمّ جميع الأرجاء.
إنّ للتدرّج في تغيير الليل و النهار- بأيّ معنى كان- آثارا مفيدة في حياة
الإنسان و الكائنات الأخرى على الأرض. لأنّ نموّ النباتات و كثير من الحيوانات
يتمّ في إطار نور الشمس و حرارتها التدريجيّة. فمن بداية الربيع حيث يزداد
بالتدريج نور الشمس و حراراتها، تطوي النباتات و كثير من الحيوانات كلّ يوم مرحلة
جديدة من تكاملها. و لمّا كانت هذه الموجودات تحتاج بمرور الأيّام إلى مزيد من
النور و الحرارة، فإنّ حاجتها هذه تلبى عن طريق التغييرات التدريجيّة للّيل و
النهار، لتصل إلى نقطة تكاملها النهائيّة.
فلو كان الليل و النهار كما هو دائما، لاختلّ نموّ كثير من النباتات و
الحيوانات، و لاختفت الفصول الأربعة التي تنشأ من اختلاف الليل و النهار و من
مقدار زاوية سقوط نور الشمس، و لخسر الإنسان فوائد ذلك.
كذلك هي الحال إذا أخذنا بنظر الإعتبار المعنى الثاني في تفسير الآية أي أنّ
حلول الليل و النهار تدريجي، لا فجائي، و أنّ هناك فترة بين الطلوعين تفصل بينهما،
فمن ذلك يتّضح أنّ هذا التدرّج في حلول الليل و النهار نعمة كبرى لسكنة الأرض،
لأنّهم يتعرّفون بالتدرج على الظلام أو الضياء، و بذلك تتطابق قواهم الجسمية و
حياتهم الاجتماعية مع هذا التغيير، و إلّا حدثت حتما مشاكل لهم.