مع ما تقدّم في سبب النزول يتضح أن الكفّار المغرورين بأموالهم و أولادهم، و
عددهم و عدّتهم يتوقعون هزيمة الإسلام، و لكن القرآن الكريم يصرح في هذه الآية
بأنهم سيغلبون، و يخاطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بأن يخبرهم بذلك و أن
عاقبتهم في الدنيا و الآخرة ليست سوى الهزيمة و الذلّ و العذاب الأليم: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ
إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ[1].
تنبّؤ صريح هناك أخبار غيبية كثيرة في القرآن الكريم تعتبر من أدلة عظيمته و
إعجازه.
و الآية أعلاه واحدة من هذه الأخبار الغيبية.
و في هذه الآية يبشّر اللّه نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالانتصار على
جميع الأعداء، و ينذر الكافرين بأنّهم فضلا عن اندحارهم في هذه الدنيا، فإنّ لهم
في الآخرة شرّ مصير.
إذا لا حظنا سبب نزول الآية، و كونها نزلت بعد فشل المسلمين في أحد، و ظهور
ضعفهم الظاهري، و ازدياد قوّة الأعداء باتّحادهم و تكاتفهم فإنّ هذا التنبّؤ
الصريح و على الأخصّ عن المستقبل القريب:
سَتُغْلَبُونَ يكون أمرا مثيرا للانتباه. و من هنا يمكن
اعتبار هذه الآية من آيات إعجاز القرآن، لوجود هذا التنبّؤ عن المستقبل فيه، في
الوقت الذي لا تشير فيه الظواهر إلى احتمال انتصار المسلمين على الكفّار و اليهود.
و لم تمض فترة طويلة حتّى تحقّقت نبوءة الآية و هزم يهود المدينة «بنو قريضة،
و بنو النضير»، و في خيبر- أهم معقل من معاقلهم- اندحروا و تلاشت قواهم. كما هزم
المشركون في فتح مكّة هزيمة نكراء.
[1]- «مهاد» بمعنى المكان المهيأ، كما
يقول الراغب، و هي في الأصل من مادة (مهد) و هو محل استراحة الطفل.