للحديث حولهم في السور المكية، و ذلك لأنّ مسألة النفاق ظهرت بعد انتصار
الإسلام و تسلّمه السلطة و القوّة، حيث أصبح المشركون في موقع ضعف و انهيار، بحيث
لم يكن باستطاعتهم إظهار مخالفتهم، و لذلك اضطروا إلى التلبّس بالإسلام ليأمنوا
غضب المسلمين الحقيقيين، أمّا في الباطن فإنّهم لم يألوا جهدا في التآمر ضد
الإسلام، و كان يهود المدينة الذين كانوا يتمتّعون بقوة عسكرية و اقتصادية لا
يستهان بها، يعتبرون سندا للمنافقين.
و على أي حال، فقد توغّل هؤلاء بين المسلمين المخلصين، و كانوا يحضرون عند
النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و يشاركون في صلاة الجمعة، إلّا أنّ تعاملهم
تجاه آيات القرآن كان يفضح ما تنطوي عليه سرائرهم و قلوبهم المريضة.
تقول الآية الأولى من الآيات مورد البحث: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا
خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً و كان مرادهم من ذلك الرجل هو النّبي صلى اللّه عليه و آله
و سلّم.
إنّ تعبير هؤلاء في شأن النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و كلماته البليغة،
كان من القبح و البذاءة إلى درجة تدل على أنّهم لم يؤمنوا بالوحي السماوي قط.
«آنفا» من مادة (أنف)، و لما كان
للأنف بروزا متميّزا في وجه الإنسان، فإنّ هذه الكلمة تستعمل في شأن أشراف القوم،
و كذلك تستعمل في مورد الزمان المتقدم على زمان الحال، كما جاء في الآية مورد
البحث.
ثمّ إنّ التعبير ب لِلَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ يوحي بأنّ إحدى علامات المؤمن امتلاكه الوعي
الكافي، فكما أنّ العلم مصدر الإيمان، فكذلك هو وليد الإيمان و حاصله.
إلّا أنّ القرآن الكريم قد أجابهم جوابا قاطعا، فقال: إنّ كلام النّبي صلى
اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن غامضا و لا معقّدا، بل أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ
اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ.
و في الحقيقة فإنّ الجملة الثّانية علّة للجملة الاولى، أي إنّ اتباع الهوى
يسلب الإنسان القدرة على إدراك الحقائق و تمييزها، و يلقي الحجاب على قلبه، بحيث