قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى
أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ بدلا من
الاستفادة منها و الانتباه للواقع.
كلمة «تنكصون» مشتقّة من النكوص، بمعنى السير بشكل معاكس.
و «أعقاب» جمع «عقب» على وزن «فعل» و تعني عقب القدم.
و هذه الجملة كناية عن شخص يسمع كلاما غير مرغوب فيه، فيرتعب لدرجة يسير فيها
القهقرى على عقبي قدميه.
ثمّ إنّه لا يرجع إلى الوراء لمجرد سماعه آيات اللّه، و إنّما يصبح ممّن
وصفتهم الآية مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ[1].
و إضافة إلى ذلك سامِراً تَهْجُرُونَ أي يتسامرون في لياليهم و يتحدّثون عن النّبي و القرآن
بالباطل.
و كلمة «سامرا» مشتقّة من «سمر» على وزن «نصر» بمعنى التحدّث ليلا.
و قال البعض: إنّها تعني ظلّ القمر في الليل حيث يختلط السواد مع البياض فيه،
و بما أنّ المشركين من العرب كانوا يتسامرون حول الكعبة في الليالي المقمرة، و جلّ
حديثهم يتناول النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالباطل، فوردت هذه الكلمة لهذا
الغرض. و يقال «سمراء» لمن اختلط بياضها بشيء من السواد.
و تَهْجُرُونَ مشتقة من «هجر» و تعني بالأصل الابتعاد و الانفصال، و قد وردت بمعنى الهذيان
الصادر من المريض. لأنّ كلامه في تلك الحالة غير سليم.
و يبعث على النفور. كما أنّ الهجر (على وزن كفر) يعني السباب، و هو أيضا يبعث
على الابتعاد و القطيعة.
و قد جاءت كلمة «تهجرون» في الآية بالمعنى الأخير. فتقول: إنّ المشركين
[1]- هناك اختلاف بين المفسّرين في من
يعود إليه الضمير في (به). فذهب بعض أنّه يعود إلى المسجد الحرام و الحرم المكّي،
لأنّ سدنة الكعبة استكبروا لاعتبارهم أنفسهم أصحاب الحرم المكّي، و هذا الاحتمال
ضعيف لأنّ الآيات السابقة لم تتناول الكعبة و الحرم. و يبدو أنّ هذا الضمير يعود
إلى القرآن المجيد و النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فيكون معنى الآية: إنّكم
استكبرتم إزاء القرآن و نبي الإسلام. أو أنّها تشير إلى سيرهم المعاكس، فهم
استكبروا و لم يهتموا به.