كما انتقلت آخر هذه الآيات إلى بحث مسألة المعاد [1].
أجل، يمكن أن تعرف عظمة اللّه في خلق الإنسان في ظلمات الرحم، و اتّخاذه في
كلّ مرحلة صورة جديدة مدهشة، و كأنّ عشرات الأشخاص من رسّامين و صنّاع مبدعين
التفّوا حول هذه القطرة من الماء، و عملوا ليل نهار ليخرجوها بهذه الصورة البديعة،
و لتمرّ من صورة إلى أخرى أبدع، حتّى تمرّ في مختلف مراحل الحياة.
و إذا تمكّنا من تصوير مراحل نمو الجنين بشكل كامل في فيلم سينمائي، و عرضناها
لفهمنا مدى العجائب التي تكمن في هذا العمل. و بتقدّم علم الجنين في عصرنا و
دراسات العلماء و تجاربهم المختبرية على هذا الأمر، اتّضحت الكثير من الغوامض التي
عند ما يطّلع عليها المرء يصرخ دون إرادته
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ هذا من
جهة.
و من جهة ثانية نلاحظ الخلق المتعاقب و اتّخاذه صورة جديدة في كلّ مرحلة، و
بالتالي ظهور إنسان للوجود كامل الخلق من تلك القطرة الصغيرة من الماء ... كلّ ذلك
يدلّ على قدرة اللّه على بعث الإنسان ثانية إلى الحياة. و بهذا يمكن البرهنة بدليل
واحد على مسألتين [2].
2- آخر مرحلة في تكامل جنين الإنسان في الرحم
ممّا يلفت النظر استخدام الآيات السابقة لمراحل الجنين الخمسة تعبير «الخلق»،
في حين استخدمت كلمة «الإنشاء» لآخر مرحلة، و كما ذكر اللغويون فإنّ كلمة
«الإنشاء» تعني (خلق الشيء مع تربيته) و هذا التعبير يدلّ على اختلاف
[1]- تناولنا في بداية سورة الحجّ
خلال البحث الآيتين الخامسة و السابعة أدلّة المعاد و منها استعراض مراحل الجنين
في الرحم.
[2]- شرحنا مراحل الجنين و عظمة الخلق
فيها في تفسير الآية السادسة من سورة آل عمران هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ (فِي الْأَرْحامِ) كَيْفَ
يَشاءُ.