و الجدير بالملاحظة أنّ بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة و
عدم خيانتها و المحافظة عليها، و «رعاية الأمانة» التي استعملت في الآية السابقة
تضمّ معنى الأداء و المحافظة.
فعلى هذا فانّ التفسير في المحافظة على الأمانة و الذي يؤدّي إلى وقوع ضرر أو
تعرّضها للخطر، يوجب على الأمين إصلاحها (و بهذا تترتّب ثلاثة واجبات على الأمين:
الأداء، و المحافظة، و الإصلاح) فلا بدّ أن يكون الالتزام بما تعهّد به المرء و
المحافظة عليه.
و أداء الأمانة من أهمّ القواعد في النظام الاجتماعي، و دون ذلك يسود التخبّط
في المجتمع. و لهذا السبب نرى شعوبا لا تتمسّك عامّتها بالدين، إلّا أنّها- سعيا
منها لمنع الاضطراب- تفرض على نفسها رعاية العهد و الأمانة، و تعتبر نفسها مسئولة
أمام هذين المبدأين- في أقلّ تقدير- في القضايا الاجتماعية العامّة (و قد بيّنا
بإسهاب أهميّة الأمانة في تفسير الآية (58) من سورة النساء. و في تفسير الآية (27)
من سورة الأنفال، و شرحنا الوفاء بالعهد في تفسير الآية الأولى من سورة المائدة و
في تفسير الآية (91) من سورة النحل).
و بيّنت الآية التاسعة من الآيات موضع البحث آخر صفة من صفات المؤمنين حيث
تقول: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ
يُحافِظُونَ.
و ممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، و آخرها
المحافظة عليها، بدأت بالصلاة و انتهت به. لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين
الخالق و المخلوق، و أغنى مدرسة للتربية الإنسانية.
الصلاة وسيلة ليقظة الإنسان و خير وقاية من الذنوب.
و الخلاصة، إنّ الصلاة إن أقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة
لأعمال الخير جميعا.
و جدير بالذكر إلى أنّ الآيتين الأولى و الأخيرة تضمنّت كلّ واحدة منها