زواياه من ظلم و فسق و جور، و يحدّثنا عن ألف حادثة و حادثة.
إنّ هذه الخرائب كتب ناطقة تتحدّث عن ماضي هؤلاء الأقوام، و نتائج أعمالهم و
سلوكهم في الحياة، و عن أعمالهم المشؤومة، و أخيرا عن العقاب الذي صبّه اللّه
عليهم! إنّ آثار قصور الجبابرة تبعث في روح الإنسان التفكّر و الاتّعاظ، حيث
يعوّضنا أحيانا عن مطالعة كتاب ضخم، و مع أنّ أصل التاريخ يعيد نفسه، فانّ هذه
الآثار تجسّد للإنسان مستقبله أمام عينيه. أجل، إنّ دراسة آثار القدماء تجعل
آذاننا صاغية و أنظارنا ثاقبة. و لهذا السبب يحثّ القرآن المجيد- في كثير من
آياته- المؤمنين على السياحة، سياحة إلهيّة أخلاقية فيها عبرة لأنفسنا و عظة
نحصّلها من دراسة إيوان المدائن و قصور الفراعنة. فمرّة نمرّ عبر دجلة إلى
المدائن، و قد نسكب الدمع بغزارة دجلة على أرض المدائن، لنسمع نصائح جديدة من شقوق
خرائب القصور التي كان عمّارها الملوك الجبابرة، و لنأخذ منها الدروس و العبر [1].
و لإيضاح حقيقة هذا الكلام بشكل أفضل قال القرآن المجيد: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.
إنّ الذين يفقدون بصرهم لا يفقدون بصيرتهم، بل تراهم أحيانا أكثر وعيا من
الآخرين. أمّا العمي فهم الذين تعمى قلوبهم، فلا يدركون الحقيقة أبدا! لهذا
يقول الرّسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «شرّ العمى، عمى القلب! و أعمى العمى عمى القلب» [2].
و نطالح
حديثا للرسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم في كتاب غوالي اللآلي «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فتح عين قلبه فيشاهد بها ما كان
غائبا عنه» [3].
[1]- شرحنا في تفسير الآية (137) من
سورة آل عمران بإسهاب دراسة تاريخ القدماء عن طريق السياحة و السير في الأرض.