الضنك في هذه الدنيا، و التي أشير إليها في الملاحظة السابقة، و الأخرى: العمى
في الآخرة.
و قلنا مرارا: إنّ عالم الآخرة هو تجسّم أوسع لعالم الدنيا، و كلّ حقائق هذا
العالم تتجسّد هناك بما يناسبها هنا، فأولئك الذين عميت بصيرتهم عن مشاهدة الحقائق
في هذه الدنيا، ستعمى هناك عيون أجسامهم، و لذلك فإنّهم حين يتساءلون بأنّا كنّا
قبل هذا صحيحي البصر، فلما ذا حشرنا عميا؟ يقال لهم: لأنّكم قد نسيتم آيات اللّه،
و هذه الحالة انعكاس لتلك الحالة.
و هنا ينقدح سؤال، و هو: إنّ ظاهر بعض الآيات القرآنية هو أنّ كلّ الناس
يبصرون في يوم القيامة، و يقال لهم: اقرؤوا صحيفة أعمالكم اقْرَأْ كِتابَكَ ...[1]، أو أنّ المجرمين يرون نار جهنّم بأعينهم: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ...[2]، فكيف تناسب
هذه التعبيرات كون جماعة عميا؟
قال بعض المفسّرين إنّ حال ذلك العالم تختلف عن حال هذا العالم، فربّما كان
بعض الأفراد مبصرين في مشاهدة بعض الأمور، و عميانا عن مشاهدة البعض الآخر، و على
ما ينقل العلّامة الطبرسي عن بعض المفسّرين: إنّه أعمى عن جهات الخير لا يهتدى
لشيء منها، لأنّ نظام ذلك العالم يختلف عن نظام هذا العالم.
و يحتمل أيضا أن يكون هؤلاء في بعض المنازل و المواقف عميا، و في بعضها
مبصرين.
ثمّ إنّ المراد من نسيان المجرمين في العالم الآخر ليس هو نسيان اللّه سبحانه
لهم، بل من الواضح أنّ المراد معاملة هؤلاء معاملة الناسي، كما نستعمل ذلك في
محاوراتنا اليوميّة، فإذا لم يهتمّ شخص بآخر، فإنّ الثّاني يقول له: لماذا نسيتني؟