كل هذه الآيات تقرر أنّ السبب في سلب قدرة التشخيص، و توقف أجهزة الإدراك عن
العمل يعود إلى الكفر و التكبر و التجبر و اتباع الهوى و اللجاج و العناد أمام
الحق، هذه الحالة التي تصيب الإنسان، هي في الحقيقة ردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه.
من المظاهر الطبيعية في الموجود البشري، أن الإنسان لو تعوّد على انحراف و
استأنس به، يتخذ في المرحلة الاولى ماهية ال «حالة» ثمّ يتحول إلى «عادة» و بعدها
يصبح «ملكة» و جزء من تكوين الإنسان حتى يبلغ أحيانا درجة لا يستطيع الإنسان أن
يتخلّى عنها أبدا. لكن الإنسان اختار طريق الانحراف هذا عن علم و وعي، و من هنا
كان هو المسؤول عن عواقب أعماله، دون أن يكون في المسألة جبر. تماما مثل شخص فقأ
عينيه و سدّ أذنيه عمدا، كي لا يسمع و لا يرى.
و لو رأينا أن الآيات تنسب الختم و إسدال الغشاوة إلى اللّه، فذلك لأن اللّه
هو الذي منح الانحراف مثل هذه الخاصية. (تأمّل بدقّة).
عكس هذه الظاهرة مشهود أيضا في قوانين الطبيعة، أي إن الفرد السائر على طريق
الطهر و التقوى و الاستقامة تمتد يد اللّه عز و جل إليه لتقوّي حاسّة تشخيصه و
إدراكه و رؤيته، هذه الحقيقة توضحها الآية الكريمة. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ
يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً[3].
في حياتنا اليومية صور عديدة لأفراد ارتكبوا عملا محرّما، فتألموا في البداية
لما فعلوه و اعترفوا بذنبهم، لكنهم استأنسوا تدريجيا بفعلهم، و زالت من