جميعا، لو قبلوها جملة لتحولت ساحة الأديان إلى فوضى و هرج و مرج. و لو رفضوها
جملة لكان عاقبة ذلك الضلال و الضياع.
فالدليل على مبدأ البعثة ذاته يفرض إذن أن يكون الأنبياء الصادقين مجهزين
بالدليل على نبوتهم كي يتميز الصادقون من الكاذبين. أي أن يكونوا مجهزين بالمعجزة
الدالة على صدق ادعائهم.
و «المعجزة»- كما هو واضح من لفظها- عمل خارق يأتي به النّبي و يعجز عن
الإتيان به الآخرون.
على النّبي صاحب المعجزة أن يتحدى النّاس بمعجزته، و أن يعلن لهم أن معجزته
دليل على صدق دعواه.
2- القرآن معجزة نبي الإسلام الخالدة:
القرآن كتاب يسمو على أفكار البشر، و لم يستطع أحد حتى اليوم أن يأتي بمثله، و
هو معجزة سماوية كبرى.
هذا الكتاب الكريم يعتبر- بين معاجز النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم-
أقوى سند حيّ على نبوة الرّسول الخاتم، لأنه معجزة «ناطقة» و «خالدة» و «عالمية» و
«معنوية».
أمّا أنّه معجزة «ناطقة» فإنّ معاجز الأنبياء السابقين لم تكن كذلك، أي أنها
كانت بحاجة إلى وجود النّبي لكي يتحدث للناس عن معجزته و يتحداهم بها، و معاجز
النّبي الخاتم- عدا القرآن- هي من هذا اللون. أما القرآن فمعجزة ناطقة.
لا يحتاج إلى تعريف، يدعو لنفسه بنفسه، يتحدى بنفسه المعارضين و يدينهم و يخرج
منتصرا من ساحة التحدي. و هو يتحدى اليوم جميع البشر كما كان يتحداهم في عصر
الرسالة. إنه دين و معجزة، إنه قانون، و وثيقة تثبت الهية القانون.
أما الخلود و العالمية: فإنّ القرآن حطم سدود «الزمان و المكان» و تعالى
عليهما، لأن معاجز الأنبياء السابقين- و حتى معاجز النّبي الخاتم غير القرآن-