و مواهب عالم الطبيعة، ثم قيادة الأنبياء، جمع يربحون و يفوزون و يسعدون، و
جمع لا يجنون ربحا، بل أكثر من ذلك يفقدون رأس مالهم، و يفلسون بكل ما لهذه الكلمة
من معنى. المجاهدون في سبيل اللّه من أفراد الجمع الأول، و يقول عنهم اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى
تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ؟ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ
تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ[1].
و المنافقون من أبرز نماذج الجمع الثاني، فبعد أن يذكر القرآن أعمالهم
التخريبية المتلبسة بظاهر الإصلاح و التعقّل يقول عنهم: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ.
كان بمقدور هؤلاء أن ينتخبوا أفضل طريق لحياتهم، لأنهم كانوا يعيشون إلى جانب
ينبوع الوحي الصافي، و في جوّ مفعم بالصدق و الإخلاص و الإيمان. لكنهم فوّتوا على
أنفسهم هذه الفرصة الفريدة العظيمة، و أضاعوا ما وهبهم اللّه من هداية فطرية في
ذواتهم، و من هداية تشريعية في إطار نور الوحي، و اشتروا الضلالة و سلكوا طريقا
خالوا أنهم يستطيعون به أن يقضوا على الدعوة و يصلوا إلى مآربهم الخبيثة.
و كان في هذه المقايضة الخاطئة خسارتان:
الاولى: ضياع ثرواتهم المادية و المعنوية. و الثانية: فشلهم في تحقيق أهدافهم
المشؤومة. فالإسلام سرعان ما ضرب بجرانه في أرجاء الأرض فاضحا خطط المنافقين.