من جهة- باحتضان كلّ من يظهر الإسلام و بالامتناع عن تفتيش عقائد الأفراد، و
مسئولون- من جهة اخرى- عن الحذر من مؤامرات المنافقين و تحركاتهم المشبوهة التي
يستهدفون منها الوقوف بوجه الرسالة، و إن اتخذت هذه التحركات صفة إسلامية ظاهرية.
المنافقون يظنون أنهم بعملهم هذا يستطيعون أن يخدعوا المسلمين و يمرروا عليهم
مؤامراتهم، بينما هؤلاء يخدعون أنفسهم.
التعبير القرآني يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ
الَّذِينَ آمَنُوا يوضّح مفهوما دقيقا، فكلمة يخادعون تعني
الخداع المشترك من الطرفين، و تبين أن هؤلاء المنافقين كانوا يعتقدون- لعمى
بصيرتهم- أنّ النّبي خدّاع توسّل بالدين و النبوّة و جمع حوله السذّج من النّاس
ليكون له حكم و سلطان، و من هنا راح المنافقين يتوسلون بخدعة لمقابلة خدعة النّبي!
فالتعبير القرآني المذكور يوضّح إذن لجوء المنافقين إلى الخدعة، و يبين كذلك نظرة
هؤلاء الخاطئة إلى النّبي الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
ثم تردّ الآية الكريمة على هؤلاء و تقول: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ، فالفعل «يخدعون» يوضّح أنّ الخداع من جانب المنافقين فقط،
و تؤكد الآية أيضا أنهم يخدعون أنفسهم دون أن يشعروا، لأنهم يبددون. بأفعالهم هذه
طاقاتهم العظيمة على طريق الانحراف، و يحرمون أنفسهم من السعادة التي رسم اللّه
طريقها لهم، و يغادرون الدنيا و هم صفر اليدين من كل خير، مثقلون بأنواع الذنوب و
الآثام.
لا يمكن لأحد أن يخدع اللّه طبعا لأنه سبحانه عالم بالجهر و ما يخفى، و تعبير
«يخادعون اللّه» إمّا أن يكون المقصود به يخادعون الرّسول و المؤمنين، لأن من يخدع
الرّسول و المؤمنين فكأنه خدع اللّه (في القرآن مواضع كثيرة عظم فيها اللّه رسوله
و المؤمنين إذ قرن اسمهم باسمه). و إمّا أن يكون نقص العقل و سوء الفهم قد بلغ
بالمنافقين حدا تصوروا معه أنهم قادرون على أن يخفوا على اللّه شيئا من