وعندما اقترح عليه استخدام الأشخاص المعروفين في تدبير أمر الحكومة وزيادة
رواتبهم وعطاياهم من بيت المال لغرض الإستعانة بهم في امور الدولة والحكومة (ولا
أقل في بداية خلافته) فقال:
«أَتَأمُرُنِي أَنْ أَطلُبَ النَّصرَ بِالجَورِ فِيمَن وُلِّيتُ عَلَيهِم
وَاللَّهِ لاأَطُورُ بِهِ ما سَمَرَ سَمِيرٌ وَما أَمَ نَجمٌ فِي السَّماءِ
نَجمَاً، وَلَو كانَ المَالُ لِي لَسَويَّتُ بَينَهُم فَكَيفَ وَإِنَّما المَالُ
مالُ اللَّهِ»[1].
بل إنّ الإمام علي عليه السلام تحرّك لحفظ الأمانة في بيت المال من موقع
التهديد الشديد لأقرب المقرّبِينَ إليه حتّى يتّعظ بذلك الأبعد من الناس ويعلم أنّ
المسألة هنا جدّية فلا مهادنة في بيت المال، ولذلك نقرأ في الكتاب الذي أرسله أمير
المؤمنين عليه السلام إلى بعض امرائه في البلد الإسلامي الذي أساء الاستفادة من
بيت المال وأنفقه في موارد اخرى، فكتب له الإمام يقول: «فَاتَّقِ اللَّهَ واردُد إلى هَؤلاءِ القَومِ أَموالَهُم فَإِنَّكَ إنْ لَم
تَفعَل ثُمَّ أَمكَننِي اللَّهُ مِنكَ لأَعذِرنَّ إِلى اللَّهِ فِيكَ
وَلأَضرِبَنَّكَ بِسَيفِي الَّذِي ما ضَربَتُ بِهِ أَحَداً إِلّا دَخَلَ النَّارَ،
وَوَاللَّهِ لَو أَنَّ الحَسَنَ والحُسَينَ فَعَلا مِثلَ الَّذِي فَعَلتَ ما
كَانَتْ لَهُما عِندِي هَوادَةٌ، ولا ظَفِرَا مِنِّي بِأرَادَةٍ حَتّى آخُذَ الحَقُّ
مِنهُما»[2].
ونعلم أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله عندما فتح مكّة قد عفى عن قريش
وجميع المجرمين والجناة من قريش وغير قريش الذين حاربوه قرابة عشرين سنة وسفكوا
دماء الكثير من المسلمين ورغم ذلك فقد أصدر النبي أمره بالعفو عنهم وإسدال الستار
على ما مضى من جرائمهم وعداوتهم، ولكن مع ذلك فقد استثنى النبي الأكرم صلى الله
عليه و آله عدّة أشخاص من هذا العفو وأهدر دمهم وأمر بقتلهم في أي مكان كانوا،
وأحد هؤلاء هو (ابن خطل) وكان ذنبه أنّه اعتنق الإسلام في الظاهر وهاجر إلى
المدينة، فجعله النبي صلى الله عليه و آله على الزكاة وجمعها وأرسل معه شخصاً من
قبيلة خزاعة، فعندما ذهب لجمع الزكاة واجتمع لديه مقدار مهم من الزكاة قتل صاحبه
وهرب بالأموال إلى مكّة، وعندما سأله المشركون في مكة عن سبب رجوعه قال: