ويتعوّد عليها، بل قد يفقد الحسّاسيّة بالكامل تجّاه هذه الامور، أو يتحرك في
إدراكه لها، من موقع التأييد للرذائل على حساب إهتزاز الفضائل.
و من جهةٍ ثالثةٍ، إنّ الوجدان أو العقل العملي، رغم أهميّته و قداسته، فإنّه
كالعقل النّظري قابل للخطأ، ولا يمكن الإعتماد عليه وحده، بل يحتاج إلى أُسس و
دعامات أقوى، يُطمأن إليها في تشخيص الحُسن و القُبح، بحيث لا يمكن خُداعها و لا
تخطئتها، ولا تتأثر بالتّكرار، و لا تتغيّر أو تتحول.
وخلاصة الأمر: أنّ الوجدان الأخلاقي، أو العقل الفِطري والعقل العملي، أو أيّ
تعبيرٍ آخر يُعبّر عنه، هو أساسٌ و دعامةٌ جيَّدة، و لا بأس بها لنيل الفضائل
الأخلاقيّة، ولكن وكما أشرنا آنفاً، تعوزه بعض الأمور، و لا يُكتفى به وحده.
3- دعامة الشخصيّة
يتحلّى البعض بالقيم الأخلاقيّة، لأنّها دليلٌ و علامةٌ للشخصيّةِ أو
الرجولةِ والمروءة، وكلّ إنسانٍ عند ما يرى، أنّ شخصيّته بين النّاس متوقفةٌ على
الصّدق والأمانة، فسيتحرك على مستوى التّحلي بها و مُراعاتها، وكذلك عندما يرى،
أنّ الناس يحترمون الشّجاع و الوفي و الرّحيم، فسيكون طالب الشخصية و الإحترام،
أوّل المطبّقين لها على نفسه، حتى يمدحهُ الناس.
والعكس صحيح، فإنّه عندما يرى أنّ الناس لا يحترمون الجبان، و لا البخيل، و
لا الخائن، و لا ضعيف الإرادة، ولا قيمة لهم في نظر المجتمع، فسوف يسعى لهجر هذه
الرذائل، و تطهير نفسه منها.
وعليه يَتحصَّل لدينا: دعامةٌ و أساسٌ آخر للمسائل الأخلاقيّة.
ولكن و بالتّدقيق و التحقيق، نرى أنّ هذا الأساس و الدّعامة، يعود إلى مسألة
الوجدان، غاية الأمر، أنّ المطروح هنا هو وجدان المجتمع، لا الوجدان الفردي، يعني
أنّ ما يوافق الوجدان العام للمجتمع، فهو فضيلةٌ و علامةٌ للشخصيّة، و من الأخلاق
الفاضلة و عكسه