فقال لي: «إذا رجعت إلى الكُوفة، فإنّه سيأتيك، فقل له: يقول لك جعفر بن محمد:
دعْ ما أنت عليه، و أَضمِنْ لك على اللَّه الجنّة».
قال أبو بَصير: فلمّا رجعت إلى الكوفة، أتاني فيمن أتى، فاحْتبستُه حتّى خَلا
منزلي. فقلت:
يا هذا، إنّي ذكرتُك لأِبي عبداللَّه عليه السلام، فقال: «أَقرِأه السّلام و
قل له: يترك ما هو عليه، و أَضمن له على اللَّه الجنّةَ».
فَبَكى، ثمّ قال: اللَّه، قال لك جعفر عليه السلام هذا؟
قال: فحلفت له، أن قال لي ما قلت لك.
فقال لي: حَسبُك وَمَضى، فلما كان بعد أيّامٍ بعث إليّ و دعاني، فإذا هو خَلف
باب داره عُريان.
فقال: يا أَبا بصير، ما بقي في منزلي شيءٌ، إلّاو خرجت عنه، و أنا كما ترى.
فَمشيت إلى إخواني، فجمعت له ما كسوته به، ثمّ لم يأت عليه إلّاأيّاماً
يسيرةً، حتّى بعث إليّ: أنّي عليل فآئْتني، فجعلت أختلف إليه، و اعالجه حتّى نزل
به الموت.
فكنت عِنده جالساً و هو يجود بِنفسه، ثم غُشي عليه غشيةً ثم أفاق، فقال: يا
أبا بَصير، قد و فّى صاحبك لنا، ثم مات، فَحَججت فأتيت أباعبداللَّه عليه السلام،
فإستأذنت عليه، فلمّا دخلت قال مبتدئاً من داخل البيت، وإحدى رجليّ في الصّحن
والاخرى في دهليز داره: «يا أبا بَصير قد وفيّنا لصاحبك». [1]
بالطّبع يمكن أن يقال: إنّ هذا الحديث حمل في طيّاته، جانب التّوبة العاديّة
المعروفة بين الناس، ولكنّنا نقول: إن ذلك الرّجل المذنب والمليء بالمعاصي، من
رأسه إلى أخُمص قدمه، لم يكنِ ليُغيّر طريقة حياته، و اتّخاذه جانب الصّلاح و
الفلاح، و على حدّ إعترافه هو، بأنّه لولا الإمام عليه السلام و عنايته، لم يكن له
أن يتحول من دائرة الظلّمة و المعصية، إلى دائرة النّور والهداية.
و يوجد إحتمالٌ قويٌّ، و هو أنّ هذا الإنقلاب و التّحول، في روح و سلوك هذا
الرجل المذنب المستعد لِلتوبة، كان بسبب التّدخل الرّوحي للإمام عليه السلام، و
تصرفه في محتواه النّفسي، و