و تحركت «الآية الثّانية»، بعد ذكرها لمعطيات الصّلاة، على مستوى النّهي عن الفحشاء والمُنكر: «إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، إلى تقرير هذه الحقيقة و
هي: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ».
نعم، فإنّ ذكر اللَّه هو روح الصّلاة، والرّوح أشرف شيءٍ في عالم الوجود،
فإذا ما منَعت الصّلاة عن الفحشاء و المُنكر، فإنّما ذلك بسبب تضمّنها لذكر
اللَّه، لأنّ ذكر اللَّه هو الذي يذكّر الإنسان بالنّعم، التي غرق بها الإنسان في
واقع الحياة، و تذكّر نِعم اللَّه، بِدوره يمنع الإنسان من العصيان و الطّغيان، و
سيخجل من إرتكاب الذّنوب، هذا من جهةٍ.
و من جهةٍ اخرى، سيدعو الإنسان للتّفكير بيوم القيامة، الذي لا ينفع فيه مالٌ
و لا بنون، و يوم تنشر الصّحف و تَتطاير الكُتب، و يعيش المُسيئون الفضيحة و
العار، في إنتظار ملائكة العذاب التي تأخذهم إلى الجحيم، و يكتب الفوز و النّصر
للمحسنين، و سيكون في إستقبالهم ملائكة الرّحمة الذين يقولون لهم، ادخلوها بسلامٍ
آمِنين، فذِكر هذه الامور، و تجَسيدها في وعي الإنسان، سيدفع إلى التّوجه نحو
الفضائل، و يمنعه من مُمارسة الرّذيلة و الإثم.
و قال بعض المفسّرين، إنّ جُملة: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»، إشارةً إلى
أنّ ذِكر اللَّه تعالى، هو أسمى و أرقى العبادات، في مسيرة الإنسان المعنويّة.
و يوجد إحتمالٌ آخرٌ، و هو أنّ المقصود من: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ»، هو ذِكر
اللَّه لِعبده، (و ذلك في مقابل ذكر العبد للَّهتعالى) [1].
حيث يصعد ذكر اللَّه تعالى به، إلى أسمى و أعلى درجات العبوديّة، في آفاقها
الواسعة، ولا شيء أفضل من هذه الحالة المعنويّة للإنسان، ولكنّ الإحتمال الأوّل،
يتناسب مع معنى الآية أكثر.
«الآية الثّالثة»: ذكرت أوّل كلامٍ للَّهتعالى، مع نبيّه موسى عليه السلام،
في وادي الطّور الأيمَنِ، في البُقعة المباركة عند الشّجرة، فسمع موسى عليه السلام
النداء قائلًا: «إِنَّني أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاٌعْبُدْني