الوصول إلى الكمال المطلقُ و يتحرك على مستوى تهذيب النّفس، عليه أنّ يسلك
طريق العبادة، فالسّائر في خطّ الإستقامة و التّربية، ولأجل أن يبني نفسه، و يحصل
على ملكة التّقوى، عليه أنّ يَعبُد و يَدعو اللَّه تعالى، من موقع العِشق و الشّوق
ليوفقه في ذلك، ويطلب منه العَون، لإزالة شوائب نفسه، لِتّتصل النّقطة بالبحر، و
لِتَنْدَكّ ذاته بالذّات الأزليّة، و يتحول نحاس وجوده، في بوتقة العِشق، إلى ذهبٍ
خالصٍ.
هنا تحرّكت «الآية الأُولى»، لتخاطب جميع الناس بدون إستثناء، أن يسلكوا إلى اللَّه من موقع العِبادة،
وأرشدتهم لِطريق التقوى، فقالَ تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ».
و التّأكيد على مسألة الخلقة للأوّلين، لعلها تقع في دائرة تنبيه العَرب
الجاهلين، الذين كانوا يستدلون بعبادتهم للأصنام، بسنّة آباهم، فيقول الباري:
إنّنا خلقناكم و الجِبلّة الأولين، نعم فهو الخالق والمالك لكلّ شيءٍ و لا يستحق
العبادة أحدٌ إلّاهو، وإذا ما توجه الإنسان، حقيقةً نحو الباري تعالى، فستتفتح في
جوانحه عناصر الخير و التّقوى، لأنّ ما يوجد من الشّوائب في النفس، إنّما هو بِسبب
التّوجه لغير اللَّه، من موقع العبادة الزّائفة.
فهذه الآية تبيّن معالم الرّابطة والعلاقة الوثيقة، بين العبادة التقوى.
و تطرقت «الآية الثّانية»، للحديث عن عبادةٍ مهمّةٍ، و هي الصّوم و علاقته بالتّقوى، فقال:
و من المعلوم أنّ الصّوم يُنوّر القلب و يجلوه، بحيث يحسّ معه الإنسان أنّه
يعيش القُرب من الحسنات، و البُعد عن السّيئات و القَبائح، والإحصائيات التي ترد
في هذا الشّهر من المصادر المختصّة عن الجرائم، تشير إلى أنّها تصل إلى أدنى
مستوى، في شهر رَمضان، و أنِّ الشرّطة في هذا الشّهر المُبارك، يتفرّغون لِلأهتمام
بامور اخرى، إداريّة عالقة بالأشهر الماضية!!.
و هذا الأمر إنّ دلّ على شيءٍ، فهوَ يدلّ على أنّ الإنسان، كلّما إقترب من
اللَّه تعالى، في خطّ العبوديّة و الطّاعة، فإنّه يبتعد عن الموبقات و الآثام، و
القبائح بنفس المقدار.