الخُطوة التّاسعة: العبادة و الدّعاء تصقل مرآة القلب:
الخُطوة الاخرى، هي العبادة و الدّعاء، و لأجل التّعرف على دور، العِبادة و
الدّعاء في بناء و تهذيب النّفوس، علينا أولًا التّعرف، على حقيقة ومفهوم العبادة
و الدّعاء.
الواقع أنّ الحديث عن هذا الموضوع، طويلٌ وعريضٌ، وقد تناوله العلماءُ،
العظماءُ، في كتبهم الأخلاقيّة والتفسيريّة و الفقهيّة، بصورةٍ مُفصّلةٍ ووافيةٍ، ولكن
يمكن القول و بإختصارٍ شديدٍ: علينا قبل معرفة حقيقة العبادةِ و مفهومها، أوّلًا
أن ندرس مفهوم كلمة «عبد»، و هي الأصل و الجَذر اللّغوي، لكلمة: «العِبادة».
«العبُد» لُغة تُطلق على الإنسان،
الذي لا حول له ولا قوّة، في مقابِل مولاه، فإرادته تابعةٌ لإرادة مَولاه، ولا
يملك شيئاً في عرضِ ما يملكه مولاه، و لا حقَّ له في التّقصير في طاعة سيّده.
و عليه فإنّ العبودية، هي آخر وأقصى مراحل الخُضوع والخُشوع، في مقابل السيّد،
حيث إنّ كلّ شيءٍ في حياته يراهُ من هبته و إنعامه و إكرامه، ومن هنا يتبيّن لنا
بوضوح، أنّه لا أحد يستحقّ هذه الدّرجة من العِبادة، و يكون مَعبوداً سوى اللَّه
تعالى، فهو الفَيض اللّامتناهي الذي لا ينقطع أبداً.
و من بُعدٍ آخر، أنّ «العُبوديّة»: هي قمّة و نهاية التّكامل المعنوي، للرّوح
في حركة التّكامل المعنويللإنسان، و غايةُ ما يطمح إليه الإنسان، من حالة القُرب
من اللَّه تعالى، و التّسليم المُطلق لِلذات المُقدسة، فالعبادة لا تنحصر بالرّكوع
و السّجود و القيام و القُعود، بل إنّ روح العِبادة هي التّسليم المطلق
للَّهتعالى، و لذاته المُقدسة و المَنزّهة من كلٍّ عيبٍ و نقصٍ.
و من البديهي أنّ العبادة، هي أفضل وسيلةٍ للرّقي المعنوي، و تحصيل الكَمال
المطلق، في حركة الإنسان والحياة، وتقف حائلًا أمام كلّ رذيلةٍ، فإنّ الإنسان يسعى
لِلقُرب من معبوده، لِتَتَجلى في نفسه إشعاعاتٌ من نور قُدسه و جَلاله و جَماله،
و يكون مظهراً و مرآةً لصفات الجمال و الكَمال الإلهيّة، في واقعه النّفسي و سلوكه
العملي.
و في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «العبُودِيّةُ جَوهَرَةٌ كُنْهُها الرُّبُوبِيَّةُ»[1].
[1]. مصباح الشّريعة، ص 536، نقلًا عن
ميزان الحكمة، مادة «عبد».