ففي الدّعاء، رقم (31) المعروف بدعاء التّوبة، يقول الإمام عليه السلام «وَلَكَ يا رَبِّ شَرطِي أَلّا أَعُودَ في مَكْرُوهِكَ،
وَضَماني أَنْ لا أَرجَعَ في مَذْمُومَكَ وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ
مَعاصِيك».
و كذلك الحال في الآيات القرآنية، فإنّ أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه و
آله، كانوا من خلال إرتباطهم مع اللَّه تعالى، بنحوٍ من العهدِ و الميثاقِ،
يُطبّقون نوعاً من المُشارطة على أنفسهم، في خط الرّسالة و المسؤولية، ففي الآية
(23) من سورة الأحزاب، نقرأ: «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» ... [1].
و كان البعض الآخر، ينقضون العهد مع الباري تعالى، بعد توكيدها، فورد في سورة
الأحزاب، الآية (15): «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ
لَايُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا».
وَ وَرَد في حديثٍ عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ لَمْ يَتَعاهَدْ النَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيهِ الهَوى،
وَمَنْ كانَ في نَقْصٍ فَالمَوتُ خَيرٌ لَهُ»[2].
«فالمُشارطة» إذن: هي من الخُطى المهمّة لَتِهذيب الأخلاق، ولولاها لتراكمت سُحب الغفلة و
الغُرور، على قلب وروح الإنسان، و لَحادَت به عن الطرّيق القويم، و الجادّة
المستقيمة.
الخطوة الثّالثة: المراقبة
«المُراقبة» من مادة: «الرَقَبَة»، و بما أنّ الإنسان يحني رقبته عند مراقبة الأشياء و
الأوضاع، فاطلِقَت على كلّ أمر يُحتاج فيه إلى المواظبة و التّحقيق.
و هذا المُصطلح عند علماء الأَخلاق، يُطلق على «مراقبة النّفس»، و هي مرحلةٌ
تاليةٌ لمرحلة المُشارطة، يعني أنّه يتوجّب على الإنسان، و بعد مُعاهدته و
مُشارطته لنفسه بالطّاعة