فصار
العارف حينئذٍ متخلّقاً بأخلاق الله تعالى بالحقيقة ».
وذكره
العلاّمة المجلسي ونقل في مرآة العقول ، ج ١٠ ، ص ٣٩٧ ـ ٣٨١ مطالب شريفة في شرح الحديث
الشريف ، ووجوهاً ستّة في توضيح قوله تعالى : « فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
» إلى آخره ، أفضلها سادسها ، بيّنه بقوله : « السادس : ما هو أرفع وأوقع وأحلى
وأدقّ وألطف وأخفى ممّا مضى ، وهو أنّ العارف لمّا تخلّى من شهواته وإرادته ،
وتجلّى محبّة الحقّ على عقله وروحه ومسامعه ومشاعره ، وفوّض جميع اموره إليه وسلّم
ورضي بكلّ ما قضى ربّه عليه ، يصير الربّ سبحانه متصرّفاً في عقله وقلبه وقواه ،
ويدبّر اموره على ما يحبّه ويرضاه ، فيريد الأشياء بمشيّة مولاه ، كما قال سبحانه
مخاطباً لهم : (
وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) [ الإنسان
(٧٦) : ٣٠ ؛ التكوير (٨١) : ٢٩ ] كما ورد في تأويل هذه الآية في غوامض الأخبار عن
معادن الأسرار والأئمّة الأخيار. وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن
يقلّبها كيف يشاء. وكذلك يتصرّف ربّه الأعلى منه في سائر الجوارح والقوى ، كما قال
سبحانه مخاطباً لنبيّه المصطفى : ( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ
اللهَ رَمى ) [ الأنفال (٨) : ١٧ ] وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) [ الفتح (٤٨) : ١٠ ] ؛ فلذلك صارت طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية
الله ؛ فاتّضح بذلك معنى قوله تعالى : كنت سمعه وبصره ، وأنّه به يسمع ويبصر ،
فكذا سائر المشاعر تدرك بنوره وتنويره ، وسائر الجوارح تتحرّك بتيسيره وتدبيره ،
كما قال تعالى : (
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ) [ الليل (٩٢) : ٧ ].
وقريب
منه ما ذكره الحكماء في اتّصال النفس بالعقول المفارقة والأنوار المجرّدة على
زعمهم ؛ حيث قالوا : قد تصير النفس لشدّة اتّصالها بالعقل الفعّال بحيث يصير العقل
بمنزلة الروح للنفس ، والنفس بمنزلة البدن للعقل ، فيلاحظ المعقولات في لوح العقل
ويدبّر العقل نفسه ، كتدبير النفس للبدن ، ولذا يظهر منه الغرائب التي يعجز عنها
سائر الناس ، كإحياء الموتى وشقّ القمر وأمثالها ». وللمزيد في شرح الحديث ونظائره
راجع أيضاً : الأربعون حديثاً للشيخ البهائي ، ص ٤١٢ ـ ٤١٩ ، ذيل الحديث ٣٥
؛ شرح المازندراني ، ج ٩ ، ص ٣٩٩ ـ ٤٠٦ ؛ الوافي ، ج ٥ ، ص ٧٣٥ ـ ٧٣٧.