الحمدُ للَّهِ إذ خرَجَ وَ لَم يَبتَلِني اللَّهُ في دَمِهِ.
قال: و رجَعَ الحسينُ إلى مَنزلِهِ عِندَ الصُّبح ...
فلمَّا كانت اللَّيلة الثَّالثة، خرج إلى القبر أيضاً فصلَّى ركعات، فلمَّا فرغ من صلاته جعل يقول:
اللَّهمَّ إنَّ هذا قبرُ نبيِّك مُحمَّدٍ 6، وأنا ابنُ بنتِ نَبيِّكَ، وَقد حضَرني مِنَ الأمرِ ما قَد عَلِمتَ، اللَّهمَّ إنِّي أُحِبُّ المَعروفَ، وأُنكِرُ المنكَرَ، وَأَنا أسأَلُكَ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَن فيهِ إلَّا اختَرتَ لِي مِن أمري ما هوَ لَكَ رِضىً، ولِرَسولِكَ رِضىً، ولِلمُؤمِنينَ رِضَىً.
ثمَّ جعل يبكي عند القبر حتَّى إذا كان قريباً من الصُّبح، وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول اللَّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و شماله و بين يديه و من خلفه فجاء حتَّى ضمَّ الحسين إلى صدره و قبَّل بين عينيه و قال:
حَبيبي يا حسينُ كأنِّي أَراكَ عَن قَريبٍ مُرَمَّلًا بِدِمائِكَ، مَذبوحاً بِأَرضِ كَربلاء، بين عِصابَةٍ من أُمَّتي، وَأنتَ معَ ذلِكَ عَطشانُ لا تُسقى، وَظَمآنُ لا تُروى، وَهُم في ذلِكَ يَرجونَ شَفاعَتي، مالَهُم؟
لا أَنالَهُمُ اللَّهُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ. وما لَهُم عِندَ اللَّهِ مِن خَلاقٍ.
حبيبي يا حسينُ إنَّ أباكَ وَأُمَّكَ وأَخاكَ قَدِموا علَيَّ وَهُم إلَيكَ مُشتاقونَ، وإنَّ لَكَ في الجَنَّةِ لَدَرجاتٌ لَن تنالَها إلَّابالشَّهادَةِ.
قال: فجعل الحسين [7] في منامه ينظر إلى جدِّه محمَّد 6، و يَسمَعُ كلامَهُ و يَقولُ لَه:
يا جَدَّاهُ لا حاجَةَ لي في الرُّجُوعِ إلى الدُّنيا، فَخُذني إلَيكَ وَأدخِلني مَعَكَ إِلى قَبرِكَ.
فقال له النبيُّ 6:
يا حُسينُ لابدَّ لَكَ مِنَ الرُّجوع إلى الدُّنيا حتَّى تُرزَقَ الشَّهادَةَ، وما قَد كَتَبَ اللَّهُ لَكَ فيها مِنَ الثَّوابِ العَظيمِ، فَإنَّكَ وأباكَ وأَخاكَ وعَمَّكَ وَعَمَّ أَبيكَ تُحشَرونَ يَومَ القِيامَةِ فِي زُمرَةٍ واحِدَةٍ، حتَّى تَدخلوا الجَنَّةَ.