فلم يقدم عليه عَمْرو بن الحَمِق، فبعث إليه من قتله و جاء برأسه، و بعث به إلى امرأته فوُضع في حِجرها، فقالت: سترتموه عنّي طويلًا، و أهديتموه إليَّ قتيلًا! فأهلًا و سهلًا من هديّة غير قالية و لا مقليّة، بلّغ أيُّها الرَّسول عنّي معاوية ما أقول: طلب اللَّه بدمه، و عجّل الوبيل من نقمه! فقد أتى أمراً فريّاً، و قتل بارّاً تقيّاً! فأبلغْ أيُّها الرَّسول معاوية ما قلتُ.
فبلّغ الرَّسول ما قالت، فبعث إليها، فقال لها: أنت القائلة ما قلتِ؟ قالت:
نعم، غير ناكلة عنه و لا معتذرة منه، قال لها: اخرجي من بلادي، قالت: أفعل، فو اللَّه، ما هو لي بوطن و لا أحنُّ فيها إلى سجن، و لقد طال بها سهري، و اشتدّ بها عبري، و كثر فيها دَيني من غير ما قرّت به عيني.
فقال عبد اللَّه بن أبي سرح الكاتب: يا أمير المؤمنين! إنّها منافقة فألحقها بزوجها، فنظرت إليه فقالت: يا من بين لحييه كجثمان الضِّفدع، أ لا قُلْتَ مَنْ أنعَمَكَ خِلَعاً و أصفاكَ كِساءً! إنّما المارِقُ المُنافِقُ مَنْ قَال بِغَيرِ الصَّوابِ، و اتّخَذَ العِبادَ كالأَرْبابِ، فانزِلَ كُفرُهُ في الكتابِ! فأومى معاوية إلى الحاجب بإخراجها، فقالت: وا عجباه من ابن هند، يشير إليَّ ببنانه، و يمنعني نوافذ لسانه، أما و اللَّه، لأبقرنّه بكلام عتيد كنواقد الحديد، أو ما أنا بآمنة بنت الشَّريد [1].
[2]. رجال الكشّي: ج 1 ص 253 الرقم 99، الاحتجاج: ج 2 ص 90 ح 164 نحوه؛ أنساب الأشراف: ج 5 ص 129 و فيه إلى «و صفّرت لونه»، الإمامة و السياسة: ج 1 ص 202 كلاهما نحوه.