الرسول إذا انحصر في أن يكون منذراً فلا يحصل منه الهداية، فاجيب بأنّ اللَّه تعالى وإن كان وليَّ كلّ نعمة ومفيض كلّ خير، والهداية من أعظم النعماء وأجلّها، إلّاأنّ الحكمة الكاملة أبت إلّاأن تجري الأشياء بأسبابها، والأسباب لابدّ من مناسبتها للمسببّات، ولأجْل ذلك قيل: إنّ لكلّ قوم هاد، وهذا بالنظر إلى المبادئ القريبة، وإلّا فلا هادي إلّااللَّه، وكذلك سائر النعم؛ فإنّ مولاها جميعاً هو اللَّه تعالى، وإن كان بالنظر إلى المبادئ القريبة لكلّ منعم عليه وليُّ نعمة.
ولنذكر عدّة آيات وردت في أمر الهداية:
ففي سورة المؤمن: «وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ»[1]، وفي سورة الأعراف: «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ»[2]، وفيها أيضاً: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي»[3]، وفي سورة الأنبياء: «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا»[4]، وفي سورة الأنعام:
«قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ»[5]، وفيها أيضاً: «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»[6].
النور في الأصل كيفيّة يدركها الباصرة أوّلًا وبوساطتها سائر المبصرات، كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة العنصريّة [8] المحاذية لهما، وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على اللَّه تعالى إلّابتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، أي ذو كرم؛ أو على تجوّز، بمعنى منوّر السماوات والأرض؛ فإنّه تعالى نوّرها بالكواكب وما يفيض عنها