بقدر الإمكان، كما يُفعل ذلك بالذهب والفضّة، ويعبّر عن ذلك أهل الصناعة بالوضع في الخلاص، وإذ اورد على المحبّ بلاء يستدلّ بذلك على أنّ المحبوب في مقام تصفيته فيبتلاه بذلك، وللمحبّ حرقة اخرى لازمة للمحبّة ليس شيء في الدنيا والآخرة ألذَّ منها، بل بها حياته وبفقدها مماته، يعرف ذلك معرفةً ضعيفةً من ابتُلي بالعشق، وفتنته مدرة خولطت بدم وبلغم وتناسبت أجزاؤها، وكان ممّن انفكّت رقبته عن أسر الشهوة البهيميّة، فهو كالظمآن تراءى له من بُعد سرابٌ بِقيعةٍ، فحسبه ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً. وإلى تلك الحرقة اللذيذة أشار العطّار وتمنّاها حيث قال في منطق الطير:
هركه را خوش نيست دل با درد تو* * * خوش مبادش زانكه نبود مرد تو
ذرّهاى دردم ده اى درمان من* * * زانكه بى دردت بميرد جان من
كفر كافر را و دينْ ديندار را* * * ذرّهاى دردت دل عطّار را [1]
وفي مناجاة الإمام زين العابدين 7: «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلًا، ومَن ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولًا، فاجعلني من الذين هم بالبدار إليك يسارعون، وبابك على الدوام يُطرقون، وإيّاك في الليل والنهار يعبدون». [2]
قوله 7: (لِسَبْقِ عِلْمِه فيهم). [ح 2/ 396]
أي لعلمه السابق على خلقهم أنّ ذواتهم الشخصيّة بحيث لو وجدت واعطيت العقلَ الذي هو صحّة مناط التكليف، ودعاهم الرُّسل إلى الحقّ، ما اختاروا إلّا المعصية، ولو وجدوا أدوات العمل ما صرفوها إلّافي المعصية، فكلّ ما يعطونه من الأدوات فهو قوّة المعصية بالنظر إليهم، ولمّا لم يكن وجودهم ووجود معصيتهم منافياً لسلطان اللَّه وإلهيّته- عظم شأنه- بل كان باعتبار ترتّب العذاب على خبائث أعمالهم والانتقام للمظلومين مظهراً لغاية من غايات الأسماء الجلاليّة، أوجدهم ووهب لهم القوّة على معصيته.