عذاب القبر واقع إجماعاً
من أهل العلم، إلّا من شذّ من طائفة من متأخّري المعتزلة حيث أنكروه[1] و قالوا
كون الميّت يقام و يقعد و لا يرى، و يخاطب و يصيح و لا يسمع خلاف الحسّ، و هذا مثل
أن يقال في هذا المقام: أعمدة و فساطيط مغنّيات، و لا يرى و لا يسمع، فإنّ الحسّ
يكذّبها.
و لو وضع الميّت في
القبر على وضع مخصوص و طرح عليه شيء من التراب و نحوه، ثمّ يكشف عنه يرى على ذلك
الوضع بعينه و التراب باقٍ بحاله، فدلّ ذلك على أنّه لم يتحرّك، و لم يقم، و لم
يقعد، و لم يخاطب، و لم يعاتب، و القول بخلاف ذلك ممّا يكذّبه الرؤية و لا يقبله
الرؤية.
و الجواب عنه: أنّ الحكمة
الإلهية مقتضية لاختفاء أحوالات البرزخ عن العيون و الأبصار؛ إبقاءً لأساس
الاختيار و عدم هدمه بشائبة الإجبار.
و بالجملة، هذه الأبصار
الفاترة و العيون الباترة لا تعلّق لهما بما في النشأة الآخرة، كما أنّه لا تعلّق
لهما بما هو في عالم الملكوت، و لذلك قيل: ليس عدم إدراك الشيء إدراكاً لعدمه،
فإذا أخبر به المخبر الصادق جزمنا به و قلنا سمعاً و طاعة.
قوله في خبر أبي
جميلة: (حميت عنهم) إلخ. [ح 2/ 4692]
يقال: حميته و حميت عنه
حماية، أي دفعت الضرّ عنه.[2] و حريبة
الرجل: ماله الّذي يعيش به.[3] و في القاموس: «ثوى بالمكان:
أطال الإقامة به، أو نزل».[4] و يؤيّد
الثاني إضافة الطول
[1]. عمدة القاري، ج 3، ص 118، حكى عن القاضي عبد
الجبّار في كتاب الطبقات أنّه إنّما أوّلًا ضرار بن عمر من أصحاب واصل بن عطاء،
ثمّ قال:« المعتزلة رجلان: أحدهما يجوز ذلك كما وردت به الأخبار. و الثاني يقطع
بذلك، و أكثر شيوخنا يقطعون بذلك».