8 / 10
قُدومُ آلِ الرَّسولِ صلّي الله عليه و آله إلَى المَدينَةِ
2453.الملهوف عن بشير بن حذلم [1] : فَلَمّا قَرُبنا مِنها [أي مِنَ المَدينَةِ] نَزَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام فَحَطَّ رَحلَهُ ، وضَرَبَ فُسطاطَهُ وأنزَلَ نِساءَهُ ، وقالَ : يا بَشيرُ ! رَحِمَ اللّه ُ أباكَ لَقَد كانَ شاعِرا ، فَهَل تَقدِرُ عَلى شَيءٍ مِنهُ ؟ قُلتُ : بَلى ـ يَابنَ رَسولِ اللّه ِ ـ إنّي لَشاعِرٌ . قالَ : فَادخُلِ المَدينَةَ وَانعَ أبا عَبدِ اللّه ِ عليه السلام ، قالَ بَشيرٌ : فَرَكِبتُ فَرَسي ورَكَضتُ حَتّى دَخَلتُ المَدينَةَ ، فَلَمّا بَلَغتُ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله رَفَعتُ صَوتي بِالبُكاءِ ، وأنشَأتُ أقولُ : 0 يا أهلَ يَثرِبَ لا مُقامَ لَكُم بِها قُتِلَ الحُسَينُ فَأَدمعي مِدرارُ 0 0 الجِسمُ مِنهُ بِكَربَلاءَ مُضَرَّجٌ وَالرَّأسُ مِنهُ عَلَى القَناةِ يُدارُ 0 قالَ : ثُمَّ قُلتُ : هذا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ مَعَ عَمّاتِهِ وأخَواتِهِ قَد حَلّوا بِساحَتِكُم ونَزَلوا بِفِنائِكُم ، وأنَا رَسولُهُ إلَيكُم اُعَرِّفُكُم مَكانَهُ . قالَ : فَما بَقِيَت فِي المَدينَةِ مُخَدَّرَةٌ ولا مُحَجَّبَةٌ إلّا بَرَزنَ مِن خُدورِهِنَّ ، مَكشوفَةً شُعورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجوهُهُنَّ ، ضارِباتٍ خُدودَهُنَّ ، يَدعونَ بِالوَيلِ وَالثُّبورِ ، فَلَم أرَ باكِياً ولا باكِيَةً أكثَرَ مِن ذلِكَ اليَومِ ، ولا يَوما أمَرَّ عَلَى المُسلِمينَ مِنهُ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . وسَمِعتُ جارِيَةً تَنوحُ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام وتَقولُ : 0 نَعى سَيِّدي ناعٍ نَعاهُ فَأَوجَعا فَأَمرَضَني ناعٍ نَعاهُ فَأَفجَعا 0 0 أعَينَيَّ جودا بِالمَدامِعِ وأسكِبا وجودا بِدَمعٍ بَعدَ دَمعِكُما مَعا 0 0 عَلى مَن دَهى عَرشَ الجَليلِ فَزَعزَعا وأصبَحَ أنفُ الدّينِ وَالمَجدُ أجدَعا [2] 0 0 عَلَى ابنِ نَبِيِّ اللّه ِ وَابنِ وَصِيَّهِ وإن كانَ عَنّا شاحِطَ [3] الدّارِ أشسَعا [4] 0 ثُمَّ قالَت : أيُّهَا النّاعي ! جَدَّدتَ حُزنَنا بِأَبي عَبدِ اللّه ِ عليه السلام ، وخَدَشتَ مِنّا قُروحا لَمّا تَندَمِل ، فَمَن أنتَ يَرحَمُكَ اللّه ُ ؟ قُلتُ : أنَا بَشيرُ بنُ حَذلَمٍ ، وَجَّهَني مَولايَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام وهُوَ نازِلٌ مَوضِعَ كَذا وكَذا مَعَ عِيالِ أبي عَبدِ اللّه ِ الحُسَينِ عليه السلام ونِسائِهِ . قالَ : فَتَرَكوني مَكاني وبادَروا ، فَضَرَبتُ فَرَسي حَتّى رَجَعتُ إلَيهِم ، فَوَجَدتُ النّاسَ قَد أخَذُوا الطُّرُقَ وَالمَواضِعَ ، فَنَزَلتُ عَن فَرَسي وتَخَطَّيتُ رِقابَ النّاسِ حَتّى قَرُبتُ مِن بابِ الفُسطاطِ ، وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام داخِلاً ، فَخَرَجَ ومَعَهُ خِرقَةٌ يَمسَحُ بِها دُموعَهُ ، وخَلفَهُ خادِمٌ مَعَهُ كُرسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وجَلَسَ عَلَيهِ ، وهُوَ لا يَتَمالَكُ مِنَ العَبرَةِ ، فَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ بِالبُكاءِ ، وحَنينُ الجَوارى وَالنِّساءِ ، وَالنّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ يُعَزّونَهُ ، فَضَجَّت تِلكَ البُقعَةُ ضَجَّةً شَديدَةً ، فَأَومَأَ بِيَدِهِ أنِ اسكُتوا ، فَسَكَنَت فَورَتُهُم . فَقالَ عليه السلام : الحَمدُ للّه ِِ رَبِّ العالَمينَ ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مالِكِ يَومِ الدّينِ ، بارِئِ الخَلائِقِ أجمَعينَ ، الَّذي بَعُدَ فَارتَفَعَ فِي السَّماواتِ العُلى ، وقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجوى ، نَحمَدُهُ عَلى عَظائِمِ الاُمورِ ، وفَجائِعِ الدُّهورِ ، وألَمِ الفَواجِعِ ، ومَضاضَةِ [5] اللَّواذِعِ [6] ، وجَليلِ الرُّزءِ ، وعَظيمِ المَصائِبِ الفاظِعَةِ ، الكاظَّةِ الفادِحَةِ الجائِحَةِ . [7] أيُّهَا القَومُ ! إنَّ اللّه َ تَعالى ولَهُ الحَمدُ ابتَلانا بِمَصائِبَ جَليلَةٍ ، وثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ عَظيمَةٍ ، قُتِلَ أبو عَبدِ اللّه ِ عليه السلام وعِترَتُهُ ، وسُبِيَ نِساؤُهُ وصِبيَتُهُ ، وداروا بِرَأسِهِ فِي البُلدانِ مِن فَوقِ عامِلِ السِّنانِ ، وهذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتي لا مِثلَها رَزِيَّةٌ . أيُّهَا النّاسُ ! فَأَيُّ رِجالاتٍ مِنكُم يُسَرّونَ بَعدَ قَتلِهِ ، أم أيَّةُ عَينٍ مِنكُم تَحبِسُ دَمعَها وتَضَنُّ عَنِ انهِمالِها ؟ فَلَقَد بَكَتِ السَّبعُ الشِّدادُ لِقَتلِهِ ، وبَكَتِ البِحارُ بِأَمواجِها ، وَالسَّماواتُ بِأَركانِها ، وَالأَرضُ بِأَرجائِها ، وَالأَشجارُ بِأَغصانِها ، وَالحيتانُ في لُجَجِ البِحارِ ، وَالمَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ ، وأهلُ السَّماواتِ أجمَعونَ . أيُّهَا النّاسُ ! أيُّ قَلبٍ لا يَنصَدِعُ لِقَتلِهِ ، أم أيُّ فُؤادٍ لا يَحِنُّ إلَيهِ ، أم أيُّ سَمعٍ يَسمَعُ هذِهِ الثُّلمَةَ الَّتي ثَلِمَت فِي الإِسلامِ ولا يُصِمُّ ؟ ! أيُّهَا النّاسُ ! أصبَحنا مَطرودينَ مُشَرَّدينَ ، مَذودينَ شاسِعينَ عَنِ الأَمصارِ كَأَنَّنا أولادُ تُركٍ أو كابُلَ [8] ، مِن غَيرِ جُرمٍ اجتَرَمناهُ ، ولا مَكروهٍ ارتَكَبناهُ ، ولا ثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ ثَلَمناها ، ما سَمِعنا بِهذا في آبائِنَا الأَوَّلينَ «إِنْ هَـذَا إِلَا اخْتِلَـقٌ » . [9] وَاللّه ِ لَو أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَقَدَّمَ إلَيهِم في قِتالِنا كَمّا تَقَدَّمَ إلَيهِم فِي الوِصايَةِ بِنا ، لَما زادوا عَلى ما فَعَلوا بِنا �� فَإِنّا للّه ِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، مِن مُصيبَةٍ ما أعظَمَها ، وأوجَعَها وأفجَعَها ، وأكَظَّها [10] ، وأفظَعَها ، وأمَرَّها ، وأفدَحَها ، فَعِندَ اللّه ِ نَحتَسِبُ فيما أصابَنا وأبلَغَ بِنا ، إنَّهُ عَزيزٌ ذُو انتِقامٍ . قالَ الرّاوي : فَقامَ صوحانُ بنُ صَعصَعَةَ بنِ صوحانَ ـ وكانَ زَمِنا ـ فَاعتَذَرَ إلَيهِ [أي عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ]صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ بِما عِندَهُ مِن زَمانَةِ رِجلَيهِ ، فَأَجابَهُ بِقَبولِ مَعذِرَتِهِ ، وحُسنِ الظَّنِّ بِهِ ، وشَكَرَ لَهُ وتَرَحَّمَ عَلى أبيهِ . [11]