7 / 14
خُطبَةُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهما السّلام في مَسجِدِ دِمَشقَ
2400.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : رُوِيَ أنَّ يَزيدَ أمَرَ بِمِنبَرٍ وخَطيبٍ ، لِيَذكُرَ لِلنّاسِ مَساوِئَ لِلحُسَينِ وأبيهِ عَلِيٍّ عليهماالسلام ، فَصَعِدَ الخَطيبُ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عَلَيهِ ، وأكثَرَ الوَقيعَةَ في عَلِيٍّ وَالحُسَينِ ، وأطنَبَ في تَقريظِ [1] مُعاوِيَةَ ويَزيدَ . فَصاحَ بِهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : وَيلَكَ أيُّهَا الخاطِبُ ! اشتَرَيتَ رِضَا المَخلوقِ بِسَخَطِ الخالِقِ ؟ فَتَبَوَّأ مَقعَدَكَ مِنَ النّارِ . ثُمَّ قالَ : يا يَزيدُ ائذَن لي حَتّى أصعَدَ هذِهِ الأَعوادَ ، فَأَتَكَلَّمَ بِكَلِماتٍ فيهِنَّ للّه ِِ رِضاً ، ولِهؤُلاءِ الجالِسينَ أجرٌ وثَوابٌ . فَأَبى يَزيدُ . فَقالَ النّاسُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ائذَن لَهُ لِيَصعَدَ ، فَلَعَلَّنا نَسمَعُ مِنهُ شَيئا ، فَقالَ لَهُم : إن صَعِدَ المِنبَرَ هذا لَم يَنزِل إلّا بِفَضيحَتي وفَضيحَةِ آلِ أبي سُفيانَ ، فَقالوا : وما قَدرُ ما يُحسِنُ هذا ؟ فَقالَ : إنَّهُ مِن أهلِ بَيتٍ قَد زُقُّوا العِلمَ زَقّا . ولَم يَزالوا بِهِ حَتّى أذِنَ لَهُ بِالصُّعودِ . فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ خَطَبَ خُطبَةً أبكى مِنهَا العُيونَ ؛ وأوجَلَ مِنهَا القُلوبَ ، فَقالَ فيها : أيُّهَا النّاسُ ، اُعطينا سِتّا ، وفُضِّلنا بِسَبعٍ : اُعطينَا العِلمَ ، وَالحِلمَ ، وَالسَّماحَةَ ، وَالفَصاحَةَ ، وَالشَّجاعَةَ ، وَالمَحَبَّةَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ . وفُضِّلنا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ المُختارَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، ومِنَّا الصِّدّيقُ ، ومِنَّا الطَّيّارُ ، ومِنَّا أسَدُ اللّه ِ وأسَدُ الرَّسولِ ، ومِنّا سَيِّدَةُ نِساءِ العالَمينَ فاطِمَةُ البَتولُ ، ومِنّا سِبطا هذِهِ الاُمَّةِ ، وسَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ؛ فَمَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني ، ومَن لَم يَعرِفني أنبَأتُهُ بِحَسَبي ونَسَبي ، أنَا ابنُ مَكَّةَ ومِنىً، أنَا ابنُ زَمزَمَ وَالصَّفا ، أنَا ابنُ مَن حَمَلَ الزَّكاةَ بِأَطرافِ الرِّدا ، أنَا ابنُ خَيرِ مَنِ ائتَزَرَ وَارتَدى ، أنَا ابنُ خَيرِ مَنِ انتَعَلَ وَاحتَفى ، أنَا ابنُ خَيرِ مَن طافَ وَسعى ، أنَا ابنُ خَيرِ مَن حَجَّ ولَبّى ، أنَا ابنُ مَن حُمِلَ عَلَى البُراقِ [2] فِي الهَوا ، أنَا ابنُ مَن اُسرِيَ بِهِ مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إلَى المَسجِدِ الأَقصى ، فَسُبحانَ مَن أسرى ، أنَا ابنُ مَن بَلَغَ بِهِ جَبرائيلُ إلى سِدرَةِ المُنتَهى ، أنَا ابنُ مَن دَنى فَتَدَلّى فَكانَ مِن رَبِّهِ قابَ قَوسَينِ أو أدنى ، أنَا ابنُ مَن صَلّى بِمَلائِكَةِ السَّما ، أنَا ابنُ مَن أوحى لَهُ الجَليلُ ما أوحى ، أنَا ابنُ مُحَمَّدٍ المُصطَفى ، أنَا ابنُ عَلِيٍّ المُرتَضى ، أنَا ابنُ مَن ضَرَبَ خَراطيمَ الخَلقِ حَتّى قالوا : لا إلهَ إلَا اللّه ُ . أنَا ابنُ مَن ضَرَبَ بَينَ يَدَي رَسولِ اللّه ِ بِسَيفَينِ ، وطَعَنَ بِرُمحَينِ ، وهاجَرَ الهِجرَتَينِ ، وبايَعَ البَيعَتَينِ ، وصَلَّى القِبلَتَينِ ، وقاتَلَ بِبَدرٍ وحُنَينٍ ، ولَم يَكفُر بِاللّه ِ طَرفَةَ عَينٍ ، أَنا ابنُ صالِحِ المُؤمِنينَ ، ووارِثِ النَّبِيّينَ ، وقامِعِ المُلحِدينَ ، ويَعسوبِ المُسلِمينَ ، ونورِ المُجاهِدينَ ، وزَينِ العابِدينَ ، وتاجِ البَكّائينَ ، وأصبَرِ الصّابِرينَ ، وأفضَلِ القائِمينَ مِن آلِ ياسينَ ، ورَسولِ رَبِّ العالَمينَ . أنَا ابنُ المُؤَيَّدِ بِجَبرائيلَ ، المَنصورِ بِميكائيلَ ، أنَا ابنُ المُحامي عَن حَرَمِ المُسلِمينَ ، وقاتِلِ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ ، وَالمُجاهِدِ أعداءَهُ النّاصِبينَ ، وأفخَرِ مَن مَشى مِن قُرَيشٍ أجمَعينَ ، وأَوّلِ مَن أجابَ وَاستَجابَ للّه ِِ مِنَ المُؤمِنينَ ، وأقدَمِ السّابِقينَ ، وقاصِمِ المُعتَدينَ ، ومُبيرِ [3] المُشرِكينَ ، وسَهمٍ مِن مَرامِي اللّه ِ عَلَى المُنافِقينَ ، ولِسانِ حِكمَةِ العابِدينَ ، ناصِرِ دينِ اللّه ِ ، ووَلِيِّ أمرِ اللّه ِ ، وبُستانِ حِكمَةِ اللّه ِ ، وعَيبَةِ [4] عِلمِ اللّه ِ ، سَمِحٌ سَخِيٌّ ، بُهلولٌ [5] زَكِيٌّ أبطَحِيٌّ رَضِيٌّ مَرضِيٌّ ، مِقدامٌ هُمامٌ ، لاصابِرٌ صَوّامٌ ، مُهَذَّبٌ قَوّامٌ ، شُجاعٌ قَمقامٌ [6] ، قاطِعُ الأَصلابِ ، ومُفَرِّقُ الأَحزابِ ، أربَطُهُم جَنانا ، وأطبَقُهُم عِنانا ، وأجرَأَهُم لِسانا ، وأمضاهُم عَزيمَةً ، وأشَدُّهُم شَكيمَةً ، أسَدٌ باسِلٌ ، وغَيثٌ هاطِلٌ ، يَطحَنُهُم فِي الحُروبِ ـ إذَا ازدَلَفَتِ الأَسِنَّةُ ، وقَرُبَتِ الأَعِنَّةُ ـ طَحنَ الرَّحى ، ويَذرُوهُم ذَروَ الرّيحِ الهَشيمِ ، لَيثُ الحِجازِ ، وصاحِبُ الإِعجاز ، وكَبشُ العِراقِ ، الإِمامُ بِالنَّصِّ وَالاستِحقاقِ ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ ، أبطَحِيُّ تِهامِيٌّ ، خَيفِيٌّ عَقَبِيٌّ ، بَدرِيٌّ اُحُدِيٌّ ، شَجَرِيٌّ مُهاجِرِيٌّ ، مِنَ العَرَبِ سَيِّدُها ، ومِنَ الوَغى لَيثُها ، وارِثُ المَشعَرَينِ ، وأبُو السِّبطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ ، مَظهَرُ العَجائِبِ ، ومُفَرِّقُ الكَتائِبِ وَالشِّهابُ الثّاقِبُ ، وَالنّورُ العاقِبُ ، أسَدُ اللّه ِ الغالِبُ ، مَطلوبُ كُلِّ طالِبٍ ، غالِبُ كُلِّ غالِبٍ ؛ ذاكَ جَدّي عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ . أنَا ابنُ فاطِمَةَ الزَّهراءِ ، أنَا ابنُ سَيِّدَةِ النِّساءِ ، أنَا ابنُ الطُّهرِ البَتولِ ، أنَا ابنُ بضَعَةِ الرَّسولِ . قالَ : ولَم يَزَل يَقولُ : أنَا أنَا ، حَتّى ضَجَّ النّاسُ بِالبُكاءِ وَالنَّحيبِ ، وخَشِيَ يَزيدُ أن تَكونَ فِتنَةٌ ، فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ أن يُؤَذِّنَ ، فَقَطعَ عَلَيهِ الكَلامَ وسَكَتَ . فَلَمّا قالَ المُؤَذِّنُ : «اللّه ُ أكبَرُ» قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : كَبَّرتَ كَبيرا لايُقاسُ ، ولا يُدرَكُ بِالحَواسِّ ، لا شَيءَ أكبَرُ مِنَ اللّه ِ . فَلَمّا قالَ : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّه ُ» قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : شَهِدَ بِها شَعري وبَشَري ، ولَحمي ودَمي ، ومُخّي وعَظمي . فَلَمّا قالَ : «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّه ِ» التَفَتَ عَلِيٌّ عليه السلام مِن أعلَى المِنبَرِ إلى يَزيدَ ، وقالَ : يا يَزيدُ! مُحَمَّدٌ هذا جَدّي أم جَدُّكَ ؟ فَإِن زَعَمتَ أنَّهُ جَدُّكَ فَقَد كَذَبتَ ، وإن قُلتَ إنَّهُ جَدّي فَلِمَ قَتَلتَ عِترَتَهُ ؟! قالَ : وفَرَغَ المُؤَذِّنُ مِنَ الأَذانِ وَالإِقامَةِ ، فَتَقَدَّمَ يَزيدُ وصَلّى صَلاةَ الظُّهرِ . [7]