2277.الاحتجاج عن حذيم بن شريك الأسدي : لَمّا أتى عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ عليه السلام بِالنِّسوَةِ مِن كَربَلاءَ ، وكانَ مَريضا ، وإذا نِساءُ أهلِ الكوفَةِ يَنتَدِبنَ مُشَقِّقاتِ الجُيوبِ ، وَالرِّجالُ مَعَهُنَّ يَبكونَ . فَقالَ زَينُ العابِدينَ عليه السلام ـ بِصَوتٍ ضَئيلٍ وقَد نَهَكَتهُ العِلَّةُ ـ : إنَّ هؤُلاءِ يَبكونَ عَلَينا! فَمَن قَتَلَنا غَيرَهم ؟ فَأَومَأَت زَينَبُ بِنتُ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام إلَى النّاسِ بِالسُّكوتِ . قالَ حِذيَمٌ الأَسَدِيُّ : لَم أرَ وَاللّه ِ خَفِرَةً قَطُّ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّها تَنطِقُ وتُفرِغُ عَلى لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقَد أشارَت إلَى النّاسِ بِأَن أنصِتوا ، فَارتَدَّتِ الأَنفاسُ وسَكَنَتِ الأَجراسُ [1] ، ثُمَّ قالَت ـ بَعدَ حَمدِ اللّه ِ تَعالى وَالصَّلاةِ عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ـ : أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ وَالمَكرِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ، إنَّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ «الَّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَـنَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ » [2] ، هَل فيكُم إلَا الصَّلَفُ وَالعُجبُ ، وَالشَّنَفُ وَالكَذِبُ ، ومَلَقُ [3] الإِماءِ ، وغَمزُ الأَعداءِ ، أو كَمَرعى عَلى دِنَةٍ [4] أو كَفِضَّةٍ عَلى مَلحودَةٍ ، ألا بِئسَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسكُم أن سَخِطَ اللّه ُ عَلَيكُم وفِي العَذابِ أنتمُ خالِدونَ . أتَبكونَ أخي ؟ ! أجَل وَاللّه ِ فَابكوا فَإِنَّكُم وَاللّه ِ أحرِياءُ [5] بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيرا وَاضحَكوا قَليلاً ، فَقَد بُليتُم بِعارِها ، ومُنيتُم بِشَنارها ولَن تَرحَضوها [6] أبَدا ، وأنّى تَرحَضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَلاذِ حَريمِكُم ، ومَعاذِ حِزبِكُم ، ومَقَرِّ سِلمِكُم ، وآسي [7] كَلِمكُم [8] ، ومَفزَعِ نازِلَتِكُم ، وَالمَرجِعِ إلَيهِ عِندَ مُقاتَلَتِكُم ، ومَدَرَةِ [9] حُجَجِكُم ، ومَنارِ مَحَجَّتِكُم . ألا ساءَ ما قَدَّمَت لَكُم أنفُسُكُم ، وساءَ ما تَزِرونَ لِيَومِ بَعثِكُم . فَتَعسا تَعسا ! ونُكسا نُكسا ! لَقَد خابَ السَّعيُ ، وتَبَّتِ الأَيدي ، وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللّه ِ ، وضُرِبَت عَلَيكُم الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ . أتَدرونَ وَيلَكُم أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَرَثتُم [10] ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! «لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْـئا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَـوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا» . [11] ! لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ صَلعاءَ [12] ، عَنقاءَ [13] ، سَوداءَ ، فَقماءَ [14] ، خَرقاءَ ، طِلاعَ الأَرضِ وَالسَّماءِ . أفَعَجِبتُم أن تَمطُرَ السَّماءُ دَما ، «وَ لَعَذَابُ الْأَخِرَةِ أَخْزَى وَ هُمْ لَا يُنصَرُونَ» [15] فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ ، فَإِنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يُخفِرُهُ البِدارُ ولا يُخشى عَلَيهِ فَوتُ الثّارِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ . ثُمَّ أنشَأَت تَقولُ عليهاالسلام : 0 ماذا تَقولونَ إذ قالَ النَّبِيُّ لَكُم ماذا صَنَعتُم وأنتُم آخِرُ الاُمَمِ 0 0 بِأَهلِ بَيتي وأولادي وتَكرِمَتي مِنهُم اُسارى ومِنهُم ضُرِّجوا بِدَمِ 0 0 ماكانَ ذاكَ جَزائي إذ نَصَحتُ لَكُم أن تَخلُفوني بِسوءٍ في ذَوي رَحِمي 0 0 إنِّي لَأَخشى عَلَيكُم أن يَحِلَّ بِكُم مِثلُ العَذابِ الَّذي أودى عَلى إرَمِ 0 ثُمَّ وَلَّت عَنهُم . قالَ حِذيَمٌ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى قَد رَدّوا أيدِيَهُم في أفواهِهِم ، فَالتَفَتُّ إلى شَيخٍ إلى جانِبي يَبكي وقَدِ اخضَلَّتِ لِحيَتُهُ بِالبُكاءِ ، ويَدُهُ مَرفوعَةٌ إلَى السَّماءِ ، وهُوَ يَقولُ : بِأَبي واُمّي كُهولُكُم خَيرُ الكُهولِ ، ونِساؤُكُم خَيرُ النِّساءِ ، وشَبابُكُم خَيرُ الشَّبابِ ، ونَسلُكُم نَسلٌ كَريمٌ ، وفَضلُكُم فَضلٌ عَظيمٌ ، ثُمَّ أنشَدَ : 0 كُهولُكُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُكُم إذا عُدَّ نَسلٌ لايَبورُ ولا يَخزى 0 فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : يا عَمَّةُ ! اُسكُتي فَفِي الباقي عَنِ الماضِي اعتِبارٌ ، وأنتِ بِحَمدِ اللّه ِ عالِمَةٌ غَيرُ مُعَلَّمَةٍ ، فَهِمَةٌ غَيرُ مُفَهَّمَةٍ ، إنَّ البُكاءَ وَالحَنينَ لا يَرُدّانِ مَن قَد أبادَهُ الدَّهرُ . فَسَكَتَت ، ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام وضَرَبَ فُسطاطَهُ ، وأنزَلَ نِساءَهُ ودَخَلَ الفُسطاطَ . [16]