1766.الملهوف: فَلَمّا لَم يَبقَ مَعَهُ إلّا أهلُ بَيتِهِ، خَرَجَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام ـ وكانَ مِن أصبَحِ النّاسِ وَجهاً ، وأحسَنِهِم خُلُقاً ـ فَاستَأذَنَ أباهُ فِي القِتالِ، فَأذِنَ لَهُ؛ ثُمَّ نَظَرَ إلَيهِ نَظرَةَ آيِسٍ مِنهُ، وأرخى عليه السلام عَينَيهِ وبَكى . ثُمَّ قالَ: اللّهُمَّ اشهَد، فَقَد بَرَزَ إلَيهِم غُلامٌ أشبَهُ النّاسِ خَلقاً وخُلُقاً ومَنطِقاً بِرَسولِكَ صلى الله عليه و آله ، وكُنّا إذَا اشتَقنا إلى نَبِيِّكَ نَظَرنا إلَيهِ . فَصاحَ وقالَ: يَا بنَ سَعدٍ، قَطَعَ اللّه ُ رَحِمَكَ كَما قَطَعتَ رَحِمي. فَتَقَدَّمَ نَحوَ القَومِ، فَقاتَلَ قِتالاً شَديداً ، وقَتَلَ جَمعاً كَثيراً، ثُمَّ رَجَعَ إلى أبيهِ وقالَ: يا أبَتِ! العَطَشُ قَد قَتَلَني ، وثِقلُ الحَديدِ [1] قَد أجهَدَني، فَهَل إلى شَربَةِ ماءٍ مِن سَبيلٍ؟ فَبَكَى الحُسَينُ عليه السلام وقالَ: واغَوثاه! يا بُنَيَّ مِن أينَ آتي بِالماءِ، قاتِل قَليلاً، فَما أسرَعَ ما تَلقى جَدَّكَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، فَيَسقيكَ بِكَأسِهِ الأَوفى شَربَةً لا تَظمَأُ بَعدَها. فَرَجَعَ إلى مَوقِفِ النِّزالِ، وقاتَلَ أعظَمَ القِتالِ، فَرَماهُ مُنقِذُ بنُ مُرَّةَ العَبدِيُّ بِسَهمٍ فَصَرَعَهُ، فَنادى: يا أبَتاه عَلَيكَ مِنِّي السَّلامُ، هذا جَدّي يُقرِئُكَ السَّلامَ، ويَقولُ لَكَ: عَجِّلِ القُدومَ عَلَينا، ثُمَّ شَهِقَ شَهقَةً فَماتَ. فَجاءَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى وَقَفَ عَلَيهِ، ووَضَعَ خَدَّهُ عَلى خَدِّهِ، وقالَ: قَتَلَ اللّه ُ قَوماً قَتَلوكَ! ما أجرَأَهُم عَلَى اللّه ِ! وعَلَى انتِهاكِ حُرمَةِ رَسولِ اللّه ِ صَلَّى اللّه ُ عَلَيهِ وآلِهِ! عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفاءُ. قالَ الرّاوي : وخَرَجَت زَينَبُ بِنتُ عَلِيٍّ عليه السلام تُنادي: يا حَبيباه، يَا بنَ أخاه! وجاءَت فَأَكَبَّت عَلَيهِ ، فَجاءَ الحُسَينُ عليه السلام فَأَخَذَها ورَدَّها إلَى النِّساءِ . ثُمَّ جَعَلَ أهلُ بَيتِهِ يَخرُجُ مِنهُمُ الرَّجُلُ بَعدَ الرَّجُلِ، حَتّى قَتَلَ القَومُ مِنهُم جَماعَةً، فَصاحَ الحُسَينُ عليه السلام في تِلكَ الحالِ: صَبراً يا بَني عُمومَتي، صَبراً يا أهلَ بَيتي، صَبرا فَوَاللّه ِ لا رَأَيتُم هَواناً بَعدَ هذَا اليَومِ أبَداً . [2]