الفصل العاشر: الشّعر
10/ 1
الإِشارَةُ إلى ما فيه مِنَ الحِكمَةِ
أ إفرازُ المَوادِّ الزّائِدَةِ
887. بحار الأنوار عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام في بَيانِ النِّعَمِ الَّتي وَهَبَهَا اللّهُ تَعالى لِلإِنسانِ: تَأَمَّل وَ اعتَبِر بِحُسنِ التَّدبيرِ في خَلقِ الشَّعرِ وَ الأَظفارِ؛ فَإِنَّهُما لَمّا كانا مِمّا يَطولُ و يَكثُرُ حَتّى يُحتاجَ إلى تَخفيفِهِ أوَّلًا فَأَوَّلًا، جُعِلا عَديمَيِ الحِسِّ؛ لِئَلّا يُؤلِمَ الإِنسانَ الأَخذُ مِنهُما، و لَو كانَ قَصُّ الشَّعرِ و تَقليمُ الأَظفارِ مِمّا يوجَدُ لَهُ مَسٌّ مِن ذلِكَ لَكانَ الإِنسانُ مِن ذلِكَ بَينَ مَكروهَينِ: إمّا أن يَدَعَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما حَتّى يَطولَ فَيَثقُلَ عَلَيهِ، و إمّا أن يُخَفِّفَهُ بِوَجَعٍ و ألَمٍ يَتَأَلَّمُ مِنهُ.
قالَ المُفَضَّلُ: فَقُلتُ: فَلِمَ لَم يَجعَل ذلِكَ خِلقَةً لا تَزيدُ فَيَحتاجَ الإِنسانُ إلَى النُّقصانِ مِنهُ؟
فَقالَ عليه السلام: إنَّ للّهِ تَبارَكَ اسمُهُ في ذلِكَ عَلَى العَبدِ نِعَماً لا يَعرِفُها فَيَحمَدَ عَلَيها!
اعلَم أنّ آلامَ البَدَنِ و أدواءَهُ تَخرُجُ بِخُروجِ الشَّعرِ في مَسامِّهِ، و بِخُروجِ الأَظفارِ مِن أنامِلِها؛ و لِذلِكَ امِرَ الإِنسانُ بِالنّورَةِ، و حَلقِ الرَّأسِ، و قَصِّ الأَظفارِ في كُلِّ اسبوعٍ؛ لِيُسرِعَ الشَّعرُ و الأَظفارُ فِي النَّباتِ، فَتَخرُجَ الآلامُ وَ الأَدواءُ بِخُروجِها، و إذا طالا تَحَيَّرا و قَلَّ خُروجُهُما، فَاحتَبَسَتِ الآلامُ وَ الأَدواءُ فِي البَدَنِ، فَأَحدَثَت عِلَلًا و أوجاعاً، و مُنِعَ مَعَ ذلِكَ الشَّعرُ مِنَ المَواضِعِ الَّتي يَضُرُّ بِالإِنسانِ و يُحدِثُ عَلَيهِ الفَسادَ وَ الضَّرَرَ؛ لَو نَبَتَ الشَّعرُ فِي العَينِ أ لَم يَكُن سَيُعمِي البَصَرَ؟ و لَو نَبَتَ فِي الفَمِ أ لَم يَكُن سَيُغِصُّ عَلَى الإِنسانِ طَعامَهُ و شَرابَهُ؟ و لَو نَبَتَ في باطِنِ الكَفِّ أ لَم يَكُن سَيُعَوِّقُهُ عَن صِحَّةِ اللَّمسِ و بَعضِ الأَعمالِ؟ فَلَو نَبَتَ في فَرجِ المَرأَةِ أو عَلى ذَكَرِ الرَّجُلِ أ لَم يَكُن سَيُفسِدُ عَلَيهِما لَذَّةَ الجِماعِ؟ فَانظُر كَيفَ تَنَكَّبَ الشَّعرُ هذِهِ المَواضِعَ؛ لِما في ذلِكَ مِنَ المَصلَحَةِ.
ثُمَّ لَيسَ هذا فِي الإِنسانِ فَقَط، بَل تَجِدُهُ فِي البَهائِمِ وَ السِّباعِ و سائِرِ المُتَناسِلاتِ؛ فَإِنَّكَ تَرى أجسامَهُنَّ مُجَلَّلَةً بِالشَّعرِ، و تَرى هذِهِ المَواضِعَ خالِيَةً مِنهُ لِهذَا السَّبَبِ بِعَينِهِ، فَتَأَمَّلِ الخِلقَةَ كَيفَ تَتَحَرَّزُ وُجوهَ الخَطَا وَ المَضَرَّةِ، و تَأتي بِالصَّوابِ وَ المَنفَعَةِ.
إنَّ المَنانِيَّةَ[1] و أشباهَهُم حينَ اجتَهَدوا في عَيبِ الخِلقَةِ وَ العَمدِ، عابُوا الشَّعرَ النّابِتَ عَلَى الرَّكَبِ وَ الإِبطَينِ، و لَم يَعلَموا أنَّ ذلِكَ مِن رُطوبَةٍ تَنصَبُّ إلى هذِهِ المَواضِعِ فَتَنبُتُ فيهَا الشَّعرُ، كَما يَنبُتُ العُشبُ في مُستَنقَعِ المِياهِ. أ فَلا تَرى إلى هذِهِ المَواضِعِ أستَرَ و أهيَأَ لِقَبولِ تِلكَ الفَضلَةِ مِن غَيرِها.
ثُمَّ إنَّ هذِهِ تُعَدُّ مِمّا يَحمِلُ الإِنسانُ مِن مَؤونَةِ هذَا البَدَنِ و تَكاليفِهِ لِما لَهُ في ذلِكَ مِنَ المَصلَحَةِ؛ فَإِنَّ اهتِمامَهُ بِتَنظيفِ بَدَنِهِ، و أخذِ ما يَعلوهُ مِنَ الشَّعرِ مِمّا يَكسِرُ بِهِ شِرَّتَهُ و يَكُفُّ عادِيَتَهُ و يَشغَلُهُ عَن بَعضِ ما يُخرِجُهُ إلَيهِ الفَراغُ مِنَ الأَشَرِ وَ البِطالَةِ.[2]
[1] و في نسخة: المانويّة( هامش المصدر).
[2] بحار الأنوار، ج 3، ص 76 نقلًا عن الخبر المشتهر بتوحيد المفضّل.